ثقافة التعايش جزء من ثقافات عديدة جاء الإسلام ليؤكد عليها ويحث الناس على الالتزام بها , وثقافة التعايش نحن أحوج ما نكون إليها اليوم أكثر من أي وقت مضى فحضرموت لكل وبكل أبنائها , ولا يمكن أن يبنيها غير أبنائها بكل توجهاتهم وانتماءاتهم المختلفة والمتعددة لأن البناء ينبغي أن لا يستثني أحداً حتى من لم يشارك في عملية التغيير فالرسول صلى الله عليه وسلم أول ما وصل المدينة المنورة عقد من المشركين واليهود حلفاً على حماية المدينة وهم من أشد الناس عداوة للإسلام والمسلمين ومع ذلك تعايش معهم عليه الصلاة والسلام أيما تعايش .
يجب علينا اليوم أن نعي جيداً أن المرحلة القادمة مختلفة تماماً عن المراحل السابقة , وينبغي أن تكون المرحلة القادمة مرحلة تنافس في مشاريع البناء للوطن والإنسان الحضرمي وليس مشاريع هدم ما تبقى من قيم الحضارم الأصيلة , فالاختلاف بين الناس سنة ربانية وقانون إلهي سماوي حتى تستقيم الحياة على هذه الأرض كما يقول ربنا تعالى ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلاّ من رحم ربك ولذلك خلقهم ) سورة هود ..
جميل أن نختلف وتتعدد وجهات النظر بيننا ولكن الأجمل أن نجتمع جميعاً على مصلحة حضرموت وأن نضع مصلحة البلاد فوق أي اعتبار لمذهب أو حزب أو قبيلة , قدرنا أن نعيش مع بعض فنحن أمام خيارين : إما أن نعيش متصارعين متباعدين يفكر كل منا كيف يتخلص من الآخر وينفك منه , وإما أن نقبل هذا الخلاف ونستثمره بتحولينا للخلاف إلى ظاهرة إيجابية تساهم في تعدد مشاريع البناء لحضرموت وبالتالي نحيا حياة رائعة كريمة تصان فيها حقوق كل فرد وجماعة داخل المجتمع الحضرمي .
علينا مراجعة تاريخنا المشرق لسلفنا من الآباء والأجداد وقراءة تلك الصفحات المشرقة بقراءة عصرية تواكب المرحلة الحالية من تاريخ حضرموت .. وعلينا أن نتذكر أن حضرموت عاش فيها الشافعي والحنبلي والسلفي والصوفي والإخواني وكل المذاهب ، وعاش فيها السيد والشيخ والقبيلي والفلاح والبدوي والعامل والعبد ، ولم نسمع عن أي خلاف بين القلوب والإخوة الأشقاء , فلماذا لا يتعايش اليوم المؤتمري والإصلاحي والاشتراكي والحراكي والمستقل فليتبع أي شخص أي مذهب شاء , ولينتسب كل شخص إلى أي حزب شاء , وليتبنى كل شخص أي رأي شاء ولكن تبقى لغة الحب والتعايش هي التي تحكم علاقاتنا بعضنا ببعض , فلا يمكن لنهضة أن تحدث في حضرموت دون هذا الوعي وهذا الفهم فالمشكلة ليست في الحزبية ولا في المذهبية ولا في الانتماء لأي جماعة وإنما في فهمنا لكيفية التعامل مع الآخر والتعايش معه فلقد آن الأوان أن نتخلص جميعاً من ثقافة ( إمّا أنا أو الآخر ) فإنها قد احتلت عقولنا وتفكيرنا وسائر حياتنا , ولنحل محلها ثقافة ( أنا والآخر ) معاً .
بقلم / أحمد جمال جواس