حضرموت اليوم/صنعاء: عرفات مدابش
يخوض اليمن، هذه الأيام، معارك في ساحات متعددة.. «حراك» في الجنوب.. حوثيون في الشمال.. وفقر ومعارك سياسية في كافة أنحائه، إلى جانب تهديدات تنظيم القاعدة، الذي بات يشكل خطرا ماثلا يوميا.. ولكن هناك تحديا كبيرا آخر في الانتظار.. وهو استضافة أول بطولة كروية خليجية على أراضيه، منذ انضمامه إلى بعض فعاليات مجلس التعاون الخليجي، حيث أصبح جزءا من بطولة الخليج لكرة القدم. والتحدي ليس بشأن الاستعدادات الميدانية للبطولة التي أكد وزير الشباب والرياضة اليمني، حمود عباد، أول من أمس، أنها اكتملت بنسبة 100%.، ولكن التحدي الأخطر والأهم هو تأمين البطولة.
فخلال السنوات القليلة الماضية، ظهرت في جنوب اليمن، الذي من المقرر أن تستضيف فيه محافظتا عدن وأبين، مباريات المسابقة الإقليمية المهمة، حركات سياسية وجماهيرية نشطة تتمثل في «الحراك الجنوبي» الذي ينادي بما يسميه «فك الارتباط» بين الشمال والجنوب، بعد وحدة اندماجية أعلنت في 22 مايو (أيار) عام 1990. وخلال السنوات الخمس الماضية على ظهور «الحراك الجنوبي» كقوة في الساحة اليمنية الجنوبية واجتذابه وتحريكه للشارع اليمني، انحصرت أنشطته على المظاهرات والمسيرات والتجمعات السلمية ورفع المطالب المتعددة، وجرت مواجهة هذه الأنشطة من قبل الأجهزة الحكومية، بالقوة والاعتقالات، وسقط، خلال السنوات الأخيرة، عدد غير قليل من نشطاء الحراك والجنود قتلى وجرحى، واعتقل العشرات في مختلف المحافظات وحوكم البعض منهم، بينهم سفراء ومسؤولون سابقون بتهمة «المساس بالوحدة الوطنية». غير أنه في الأشهر القليلة الماضية، شهدت وتشهد العديد من المحافظات الجنوبية أعمال عنف لم يتم، حتى اللحظة، تحديد الجهة المتورطة فيها، بصورة دقيقة، وتمثلت تلك الأعمال، في سلسلة حوادث اغتيالات استهدفت ضباطا في المخابرات اليمنية وتحديدا جهاز الأمن السياسي، إضافة إلى نوعين من الحوادث الأمنية هما: استهداف الدوريات الأمنية ورجال الأمن عموما بهجمات مسلحة والسطو على أموال البنوك ومرتبات لموظفين حكوميين.
وأبرز المحافظات التي تشهد تلك العمليات، هي أبين التي تعد معقلا لأكثر الجماعات الجهادية الأصولية المتطرفة، ثم محافظتا شبوة ولحج المجاورتان، رغم التباعد الجغرافي، وأيضا محافظة الضالع، غير أن التطور الأكثر أهمية هو امتداد أو انتقال موجة العنف المباشر إلى محافظتي عدن وحضرموت، فقد شهدت هاتان المحافظتان، الأيام الماضية عمليات اغتيالات وهجمات مسلحة، الأمر الذي يجعل معظم محافظات جنوب اليمن، مسرحا لمثل الأعمال الجارية.
وتشهد العديد من المناطق اليمنية، بصورة عامة، نشاطا مطردا لتنظيم القاعدة، كما تقول السلطات اليمنية، التي تتهم التنظيم بالتورط في حوادث إرهابية كبيرة في اليمن، منذ مطلع عقد التسعينات، بينها عمليات استهدفت سفنا حربية واقتصادية أميركية وفرنسية، كالمدمرة الأميركية «يو. إس. إس - كول»، الذي مر، قبل أيام، ذكراه العاشرة، وبعدها استهدفت ناقلة النفط الفرنسية «ليمبورج» في شواطئ مدينة الشحر بمحافظة حضرموت اليمنية. ونفذت «القاعدة»، إلى جانب ما سبق ذكره، سلسلة عمليات في أكثر من مدينة يمنية، بحسب تأكيد السلطات اليمنية، التي تقول إنها في حرب مفتوحة مع التنظيم في اليمن، وبدعم أميركي، وشنت السلطات اليمنية، حسب زعمها، سلسلة غارات جوية أواخر العام الماضي ومطلع العام الجاري على مواقع تقول إن تنظيم القاعدة يتخذ منها أوكارا للاختباء والتخطيط لعملياته. وفي الوقت الراهن يعد المتشدد الأميركي من أصل يمني، أنور العولقي، احد أهم المطلوبين للولايات المتحدة بتهم الإرهاب، بعد أن جاهر بدعمه لفكر تنظيم القاعدة، القائم على قتل الأميركيين وغيرهم من الأجانب، على حد سواء مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن الذي ينحدر من أصل يمني وتعود جذوره إلى محافظة حضرموت اليمنية.
واستهدف العديد من الأجانب والدبلوماسيين في اليمن، مؤخرا، حيث جرت محاولة لاغتيال نائب السفير البريطاني في صنعاء، الأسبوع الماضي، وقبلها فشلت محاولة لاغتيال السفير نفسه، تيم تورولوت، الموشك على مغادرة اليمن، بعد انتهاء فترة عمله، كما جرت محاولة لاقتحام السفارة الأميركية بهجوم انتحاري، أسفر عن قتلى وجرحى، وغيرها من العمليات التي سقط فيها ضحايا أجانب من المدنيين.
ومن المقرر أن تستضيف مدينة عدن ومحافظة أبين، المجاورة، مباريات البطولة. وأبين من أكثر المحافظات التي تشهد عمليات الاغتيالات والهجمات المسلحة وهي القريبة جدا من عدن. وأوجدت هذه الحوادث مخاوف كبيرة لدى دول مجلس التعاون الخليجي التي تشارك منتخباتها إلى جانب العراق واليمن، في البطولة، مما يجري في اليمن من اغتيالات وقتل ومظاهرات وقمع وردود أفعال متبادلة. وتتهم السلطات اليمنية «الحراك الجنوبي» و«تنظيم القاعدة في جزيرة العرب» بالوقوف وراء ما يجري في الجنوب، وينفي الحراك صلته بأي أعمال عنف، فيما تبنت «القاعدة» معظم تلك العمليات.
أما الجانب الرسمي اليمني فيؤكد إقامة البطولة، حيث يرى معمر الإرياني، وكيل أول وزارة الشباب والرياضية اليمنية، أن «خليجي 20» قضية وطنية ويجب أن نساهم في إنجاح هذه الفعالية، وأن «الملاعب، تقريبا، جاهزة لاستقبال المسابقة». وأضاف: «الأسبوع الماضي، قام وفد من شركة متخصصة عبر (الفيفا) بزيارة هذه الملاعب، وأبدت هذه الشركة ارتياحها عند القيام بفحص هذه الملاعب وأكدت أن الملاعب قانونية، وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها فحص 8 ملاعب في محافظة واحدة وفي مدينة واحدة، وفي دولة واحدة، والحمد لله كان كل شيء جيدا». وتابع: «فيما يخص الإيواء فهناك شركات دولية تقوم حاليا بالإعداد والتجهيز بصورة نهائية للفنادق القائمة التي يتم إعادة تشطيبها أو ما يجري إنشاؤها من جديد».
وعن التهديدات الأمنية المتفاقمة يقول وكيل أول وزارة الشباب والرياضة لـ«الشرق الأوسط»: «بالنسبة للجانب الأمني، لا أخفي شيئا في الموضوع، ولكني أؤكد أن هناك من يسعى لإفشال خليجي 20 من خلال الجانب الأمني وأقول إنه من المؤسف أن البعض يحاول الإساءة إلى وطنه، لأن ذلك ليس إساءة لأي شخص من الأشخاص وإنما إساءة إلى الوطن، لأن، الكثير من الناس تنتظر خليجي 20، كل اليمنيين في الداخل والخارج ينتظرون أن يكون حدثا هاما ومميزا ويفترض من الجميع التعاون من أجل إنجاح البطولة».
وعن أبرز المخاوف يقول الإرياني: «لدينا خطة أمنية وستكون محكمة، كما أبلغنا بذلك وسيبدأ تنفيذها مع بداية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) لتشمل جميع المرافق التي ستقام فيها هذه الفعاليات، وستكون هناك إجراءات أمنية مشددة من أجل إنجاح البطولة، ونتوقع الخير الكثير، إن شاء الله. وأؤكد أن الشعب اليمني هو شعب مضياف وكريم ويرحب بالضيف». وأضاف: «المشكلات التي يعاني منها اليمن، مثل تنظيم القاعدة، موجودة لدى الكثير من البلدان العربية والخليجية والكل يسعى لاستئصال القاعدة من خلال تثبيت الأمن والأمان والاستقرار، وهي ليست مشكلة محلية، هي مشكلة عربية ودولية».
وأعلن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، قبل عدة أيام، أن حكومته جهزت أكثر من 30 ألف جندي لحراسة وحماية وتأمين البطولة وأن الخطة الأمنية تستند على إقامة 3 اسيجة ومناطق أمنية. أما الدكتور عبد الله الفقيه، أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء الحكومية فيقول إن هناك «درجة مخاطرة كبيرة في المضي قدما في تنظيم اليمن لخليجي 20، لا تتناسب مع العائد المتوقع منها». ويعتقد الفقيه أن «أبرز المخاطر هي أن البطولة تقدم للقاعدة والحراك فرصة ذهبية لتسجيل المزيد من الأهداف»، وأنه «لا يمكن التقليل من هذه المخاطر بزيادة عدد الجنود، لأن البطولة ستقام في وسط سكاني معاد للحكومة وستؤدي المبالغة في الإجراءات الأمنية إلى رد فعل عكسي بين السكان وتزيد من درجة المخاطرة لأن السكان أنفسهم سيعملون مع الحراك ومع القاعدة على إثبات فشل الحكومة، كما أن توجيه موارد البلاد في ظل التحديات الأمنية الحالية نحو حماية المنتخبات الخليجية سيبدو مثيرا للسخرية وغير عقلاني». ويرجح الفقيه، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، قيام الحكومة اليمنية بـ«خطوة استباقية»، بأن «تعتذر عن تنظيم البطولة بطريقة الجنتلمان وتعلن أن تركيزها في المرحلة القادمة سيكون على الجانب الأمني لأن في ذلك حفظ لماء وجهها وقطعا للطريق على خطوة خليجية في هذا الاتجاه». ثم يؤكد أنه «إذا انتظرت الحكومة اليمنية قيام الدول الخليجية باتخاذ قرار سلبي بخصوص البطولة، واحتمال حدوث مثل هذا الأمر كبير جدا، فإن تأثير مثل ذلك القرار على شرعية الحكومة اليمنية وعلى الوضع الأمني سيكون سيئا جدا». ويقول إن رأيه الشخصي ينصح الحكومة اليمنية بأن «تضع أمن وسلامة الأشقاء الخليجيين في المقدمة في أي قرار ستتخذه وإذا ما فعلت ذلك فإن النتيجة التي ستصل إليها هي الاعتذار عن تنظيم البطولة».
ويسود الوسط الرياضي اليمني قلق عميق إزاء ما يجري من تطورات أمنية وسياسية، حيث يقول المتخصص في الشؤون الرياضية، منصور الجرادي إن الوسط الرياضي اليمني «قلق جدا مما يحدث من تهديدات أمنية حقيقية لبطولة كأس الخليج العربي العشرين التي تأمل اليمن استضافتها للمرة الأولى في تاريخها بعد أربع مشاركات سابقة في هذه البطولة»، ويرجع الجرادي هذا القلق إلى بعض الدواعي مثل «التفجيرات التي تستهدف الملاعب الجديدة التي لم يسبق أن حازتها الأندية اليمنية من قبل».
ويجزم الجرادي لـ«الشرق الأوسط» أن جميع الأطر اليمنية الرسمية «مصممة أكثر من ذي قبل على إقامة البطولة»، لأن ذلك أصبح «تحديا سياسيا أكثر من كونه تحديا رياضيا، وتحديا أمنيا لليمن بالدرجة الأولى»، لكنه يضع كل الاحتمالات مفتوحة وقائمة «في حال أقيمت البطولة»، ولا يستبعد انسحاب فرق البطولة أو بعضها «إذا ما حدثت تطورات أمنية مرافقة للبطولة، وهذا أمر وارد بحسب المنطق، ولكن في اعتقادي الشخصي أن ما حدث من تهديدات أخيرة في جانب الأمن هدفه صرف البطولة منذ البداية ولا أعتقد أنها ستتكرر في حال حضر الأشقاء لليمن، لأن اليمن لديه خطة أمنية مشددة برية وبحرية وجوية عند انطلاق البطولة، لحماية البطولة والمشاركين، ولن يسمح بتكرار ما حدث».
نقلا عن الشرق الأوسط ..