هل لا تزال تريم غنَّاء

 

م . عبدالله  خميس صبيح

مما لا شك فيه  أن جمال الشكل متعة للآخرين أكثر من أن يكون متعة لصاحبه,لكن  القوم تطاولوا على الحدائق والبساتين فأبدلوها بيوتا من طين , بالامس القريب كانت حديقة تريم بأشجارها وضلالها الوارفه تكسب المدينة روعة وجمالا وتزداد جمالا بتوسطها مكتبة الاحقاف للمطبوعات فتلك حديقة تتوسطها حدائق كيف لا وهي تحوي السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار فأما الاولى فأبدلوها من غنّاء الى عمارات للغِناء وأما الأخرى من إشعاع للعلم والمعرفة الى الإهمال والفناء .

تريم الغنّاء  اسم على مسمى يوم كانت البساتين تكسو البيوت من جوانبها الاربعة , وحين كان التنقل بين المزارع المجاورة تشم منها شذى الرياحين وتسر ناظريك النخل الباسقات بألوانها المختلفة , وقفت على صورة لمنارة المحضار التقتطت في السبعينات من القرن الماضي وملتقطها محترف اذ حاول جاهدا ان يبرز شيء من اشجار النخيل وما حولها من خضرة لتكسب الصورة روعة الى روعتها , ثم وقفت على صورة اخرى معاصرة وإذا بشجرة من أشجار السيسبان ابت الا ان تعلن حضورها لتؤكد وجودها وانها عصية على من اراد اقتلاعها .

التطاول على  الأرض الزراعية وإقتلاع الاشجار  المثمرة بدون حسيب ولا رقيب يهدد المدينة , ذلك انه لم تقسم المدينة الى مناطق زراعية وأخرى سكنية وصناعية او قل حرفية ,وتصبح خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها .  مناظر تدمي القلب يوم ان ترى التركين وسط المزارع ويوم ان ترى النخل الباسقات قد قطع عنها الماء لتموت بالبطئ وتحل محله محلات (تجارية ؟)

الامم والشعوب تنادي بالحفاظ على البيئة و على المسطحات الخضراء وتبذل الغالي والنفيس من أجل ذلك فتلك بلدان صحراوية قد اكد الخبراء انها لا تصلح للزراعة لكنها وجدت عزيمة وإصرار من قيادات حكيمة راشدة فحولت تلك القفار الى واحات خضراء وبساتين غنّاء حقا , لكننا يبدو قد عشقنا الإبحار عكس التيار في كل شيء فالشعوب تخطط وتبني وتعمر بلدانها ونحن نخطط ليقتل بعضنا بعض , غيرنا يزرع وينعم ببيئة خضراء ونحن اهملنا وتطاولنا على مزارعنا حتى صارت ابسط الخضروات مستوردة فلا عجب لان العشق قد يعمي ويصم .

هلا أعيدت  المياه الى مجاريها واصلحت السدود وحفظت المياه لتغذي المخزون الجوفي أم ان نصيبنا من مياه الأمطار الخراب والدمار والبكاء على الاطلال , عجبت ولك ان تعجب مثلي حين بنيت تلك السدود (المضالع ) كيف نقلت تلك الاحجار وبتلك الكميات من الجبال الى المسيلة الى حيث هي الان ولا وسيلة للنقل يومها إلا الجمال والرجال , بذلوا من عرقهم وما بخلوا فهلا اقتفينا اثرهم وحافظنا على ما ورَّثوه لنا .

ترى لو أن ضفتي الوادي من اعلاه الى اسفله قد نظمت وأدخلت عليها طرق الري الحديثة  وأصلحت السدود القائمة  ليستفاد من مياه السيول الجرارة التي تمر علينا مكتفية بتأدية التحية لأننا لم نهيئ لها المقام بيننا وإلا لكان لدينا وادي أخضر مثل الجبل الاخضر ولما احتجنا الى تلك المأكولات المهجنة التي اهلكت الحرث والنسل . لكن اصلاح ذلك يحتاج الى ميزانيات كبرى بمساهمة المجتمع مع شركات مستثمرة .

تلك اشارات لها دلالتها لمن أراد ان يبادر , فيكن له السبق , وإن تك الاخرى فيكفي انها ستظل متقدة تنادي للأجيال أن تريم كانت في قديم الزمان غنَّاء .  

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص