يشكل الصفر نقطة انطلاق للأعداد الموجبة والسالبة فيمتد كل منهما عكس الاخر حتى ما لا نهاية , لكن التدرج الإيجابي يبعث في النفس بهجة ونشوة لتسلق سلم المعالي في حين ان االتدرج السلبي يكدر صفوة الحياة ويزيدها ضنكا وضيقا .
التاجر الطموح مثلاً حين ينطلق في بداية مشواره التجاري يضع نصب عينية تكثير مالة ليبلغ نهايات عظمى موجبة ويده على قلبه ان ينقلب المؤشر الى النهايات العظمة السالبة .
يقال لكل جواد كبوة , لذا فإن تصحيح المسار معناه الرجوع الى نقطة الصفر والإنطلاق مرة أخرى وبحسابات أكثر دقة نحو المآلات المرجوة وبحذر شديد لئلا يصاب بنكسة أشد من الاولى .
يقول ابو فراس الحمداني :
ونحن اناس لا توسط بيننا * * * لنا الصدر دون العالمين أو القبر
أرأيت الى طموح هذا العربي الى المعالي وهو القائل بعد هذا البيت
تهون علينا في المعالي نفوسنا * * * ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر
لكن الطامة الكبرى حين يكون التناقض والتنافر والتضاد تتجاذب الأمر بين الإيجابية والسلبية ولقد قالت العرب في امثلتها (مغني تزوج نائحة ) وقال الاخر أيها المنكح الثريا سهيلاً ** عمرك الله كيف يلتقيانِ
هي شامية إذا ما إستهلت ** وسُهيلٌ إذا إستهلّ يماني
وهكذا تتأرجح القضايا العظام في امكنتها تتجاذبها قوى الخير والشر بين جاهل مصرعلى جهله وبين عالم لا يملك من الامر شيئا . حتى صار الحال كا المنبت لا ارضاً قطع ولا ظهراً ابقى .
ان تكون ايجابيا ليس صعبا لكنه يحتاج الى بناء ربما استغرق العمر كله اما ان اردت ان تكون سلبيا فالطريق الى ذلك قصير جدا ولقد احسن من قال :
وإنَّ عناءً أن تفهم جاهلاً * * * فيحسب جهلاً أنه منك أفهم
متى يبلغ البنيان يوماً تمامه * * * إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
متى ينتهي عن سيءٍ من أتى به* * * إذا لم يكن منه عليه تندُّم
بقي ان نلفت الانتباه الى أن النار تحرق خيمة عشيرتي ويا للعار انا الذي اشعل , فأين الإيجابيون من هذا؟ اين المطفئون للنار وقد اشتدت لهيباً ؟ اين المتطلعون للمعالي وقد علموا (ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر) ؟
فيا ترى هل من بلغ النهايات العظمى الموجبة يحافظ عليها ويصونها من المتربصين بها ؟ وهل يعيد حساباته من بلغ النهايات العظمى السالبة ويعود الى رشده لترشد معه البلاد والعباد . فلكل من الفريقين هذه الهمسة فريق في الجنة وفريق في السعير , وفي الجنة درجات ومنازل للسالكين وفي النار دركات للمنافقين .