هي علاقة مطردة ومحسوسة فكلما نقص المكان وجد فائض في الزمان او بعباراة اخرى فإن المكان والزمان عاملان مؤثران في السرعة , ولاننا نعيش عصر السرعة انقلبت الموازين فصار المكان واسع وأصبح الشعوربالنقص في الزمان ملازماً لكل احد, وكل يشتكي قلة البركة في الوقت وما ذاك الا لتعدد الوجهات وكثرة ما يعرض على الانسان من مشاهد في اللحظة الواحدة ولربما يلحظ ذلك الاختلاف من يعيش في المدن عن غيره الذي يعيش في الارياف .
السجن حيث لا مجال للحركة فيه الا في مساحة معلومة يجد السجين وقتا فائضاً عنده ولهذا كان ابن تيمية يقول (مايفعل-بي-أعدائي-إن-سجني-خلوة-ونفيي-سياحة-وقتلي-شهادة ) والشاهد قوله إن سجني خلوة , وكم من المسجونين عاشوا سنوات خلف القضبان وخرجوا وقد اتموا حفظ كتاب الله تعالى وكم من الكتّاب استطاع ان يؤلف المجلدات الطوال من داخل السجن لما يجد من الفراغ وصفاء للذهن لتك الخلوة الجبرية المفروضة عليه والتي ربما لم يجدها حين كان طليقا ولعل تلك من ألطاف الله بالعبد ان يهيئ له ذلك المكان ليجد فائض الوقت وينتفع به , ولا غرابة فإن الطالب حينما يدخل قاعة الامتحان يظل جالسا في مكانه وفي ذلك الزمن المعلوم يقذف من مخزون فكرة في اوراق الاجابة .
يعتبر عامل الزمن مهماً في انجاز المشروعات في اوقاتها المحددة لها, فلو ان العائد الشهري لعمارة هو مليون فإن التاخير لمدة شهر يعد خسارة قيمتها مليون والعكس فإن الإنجاز قبل الموعد المحدد قيمته ربح مليون وعلى هذا الأساس فإن نقص الزمان هنا يتطلب نقص الحركة بزيادة عدد المتحركين في الزمن نفسه فلو فرضنا ان نقل 500 كج من الاسمنت تحتاج الى شخص واحد في عشر دقائق فيمكن اسناد النقل الى عشرة لضمان ايصال الكمية في دقيقة واحدة وبذلك تكن قد انقصت الزمن المطلوب ولكن زدت في الحركة .
جلسات القات ينطبق عليها هذا المفهوم حيث يعتكف كل مكانه وتمضي الساعات الطوال هدرا بدون فائدة تذكر وقس على ذلك الجلوس في الطرقات اذ لا حركة وفائض في الزمن في القيل والقال . فلو ان كل من الفريقين تحرك لأزاد في المكان وانقص من الزمان ولكانت النتجة سياحة في الارض ومشي في مناكبها ومنفعة للمرء وللأمة جمعا فلا فائدة في البطالين المقعدين النفعيين .
انظر الى الذي بات متهجدا لله تعالى كم ناجى ربه حين وقف مستقبلا القبلة فلا حركة له في المكان فكان الزمن له منحة للمناجاة في حين ان النائم لا حركة له والزمن بالنسبة له مسلوب بل ربما استيقض بعد نوم عميق ولساعات طوال وكأنه لم ينم الاساعة واحدة .
حين ادخلت الحاسبات الألكترونية عالم الصناعات صارت الحاجة ملحة لإنجاز عمليات حسابية دقيقة في لمحة عين , واضرب مثال لذلك عدادات النقود ترى كم من الوقت قد وفرت لأرباب الاموال ومثال آخر قريب من هذا عدادات الوقود التي تسجل الكمية والسعر في آن واحد لعلك تتذكر الطريقة اليدوية لتلك العمليات لترى الفرق في الدقة والسرعة فقصدي من ذلك أن كثيراً من العمليات الانتاجية لازالت في صورها البدائية وكثير من الروتين الممل في انجاز المشروعات وخير مثال على ذلك مشروع بناء مساكن للمتضررين ولعلي قد اشرت في مقال سابق ان الاتراك عندهم انجاز البيوت في الحالات الطارئة في 6 أشهر بل في امريكا شركات تنجز بيوتاً خلال 24 ساعة . لا تقل لي ان ذلك ضرب من الخيال بل هو التخطيط السليم وحساب للزمن للتحرك في المكان المعلوم بدقة متناهية تجعل من ينظر اليها يظن انه امام مشهد سحري فلا غرابة انه العلم .