هناك حديث كثير حول تطور ورقي التعليم في ماليزيا، فقد أضحى استثماراً حقيقياً للدولة يعود عليها بملايين الدولارات سنوياً من خلال ابتعاث والتحاق الآلاف من الطلاب سواء العرب أو الأجانب بالتعليم الجامعي، ومواصلة دراساتهم العليا في الجامعات الماليزية .
والموضوع الذي لفت نظري هناك الاهتمام المميز الذي توليه الأسر بأبنائها الطلاب (وهنا لست أتحدث عن دور الدولة، فذلك موضوع آخر يطول الحديث عنه) ..
حضرت حفل التخرج للدفعة الـ (23) بجامعة شمال ماليزيا (VUM)، وقد كان من ضمن المتخرجين (للجامعة) بعض من الزملاء كالزميل فهمي فرارة، والأخ / محسن باحاج، وغيرهم من الطلاب اليمنيين والأجانب، الذين لم يستطع بعضهم من الحضور، وقد كان من ضمن المتخرجين الزميل العزيز فتحي باصبيح والذي حضرت الحفل برفقته .
غادرنا العاصمة، كوالالمبور إلى ولاية كدح المحاذية ليتالمند تقارب (7) ساعات، لمجرد أن تدلف إلى الولاية يلفت نظرك اللافتات التي تشير لحفل التخرج تنتشر في الشوارع تصل إلى البوابة الضخمة للجامعة المجسمة على شكل كتاب لتبهرك الورود والزهور بالألوان البهية والرائعة وقد رتبت بطريقة تسر النفس وتسعدها .
وبالمناسبة فالجامعة تقع في مساحة – لن أكون مبالغاً – إن قلت أنها ربما تعادل مساحة مدينة كمدينة سيئون، تمر في وسط الجامعة بالسيارة واللوحات واللافتات التي تشير لحفل التخرج تنتشر في الأرجاء والجوانب المختلفة للمدينة الجامعية لتستقر بك السيارة أمام ساحة مكللة بالاخضرار في الموقف الخاص بالسيارات لتعرف أنك أمام القاعة الكبرى بالجامعة المخصصة لاحتفالات التخرج والمناسبات الكبرى بالجامعة .
توقفت أمام القاعة لأرى مشهداً بل مشاهد مؤثرة جداً لأسر كثيرة يملأ الفرح محياها، الآباء والأمهات جميعهم حاضرون يحملون الورود والزهور والهدايا، رأينا شيخاً كبيراً منحني الظهر وقد حضر الحفل مع حفيده، وتلك عجوز قد أخذ الشيب برأسها وهي تتكئ على اثنتين من بناتها لتحضر حفل تكريم بنتيها، وثالث يتوكأ على العكاز لكسر في رجله، وغيرهم الكثير في موكب بهيج من الحضور تشجيعاً وتحفيزاً لأبنائهم .. فتذكرت الحال في بلادنا، ومدى التعقيد الكبير جداً تجاه أبنائنا الطلاب، هنا يهيئون كل الوسائل بدءاً من الجو المناسب في البيت مروراً بمتابعة الابن ومستواه، ولا يتوقف الحال عند التشجيع والتحفيز والحضور معه .. يقدمون الهدايا والعطايا تشجيعاً وتقديراً وتحفيزاً .
أرى كل يوم وأنا ذاهب لصلاة الفجر نزول الآباء والأمهات مع أبنائهم من قبل الفجر ووقوفهم معهم حتى يصعدون في باصاتهم .
أعود للحفل الذي يحضره سلطان الولاية كل عام ليسلم كل متخرج شهادته بنفسه رغم كبر سنه وعدم قدرته على الوقوف لفترة طويلة، لكنه الاهتمام والتقدير للعلم وطلابه، يحضر الحفل ممثلون عن كثير من الدول بالإضافة للأكاديميين في الجامعة .
ما إن تطأ قدمك بوابة القاعة إلا ويبهرك التنسيق والترتيب الرائع والجميل، يستقبلك الجميع بالابتسامة العريضة، الشاشات الضخمة تنتشر في الأرجاء، تغمرك الدهشة والذهول .. يستمر الحفل ثلاثة أيام؛ في كل يوم فترتين صباحاً ومساءً .
لم ينتابني الشعور بالخوف من أن الكهرباء ستنطفئ، أو أن هناك خلل سيحدث للصوتيات؛ لأن مثل هذا الشعور والإحساس ليس له مكان هنا .
يبدأ الحفل في وقته، وينتهي في موعده المحدد، في احترام شديد للوقت، لأن مواعيد الحفل قد تم إنزالها على موقع الجامعة قبل عدة أسابيع، فلا مكان للعشوائية .
ينتهي الحفل لتبدأ فرحات الأهل والأحباب والأصدقاء بالمتخرجين بتقديم الهدايا والورود والتقاط الصور .
في الختام هي دعوة أولاً للآباء والأمهات لتشجيع الأبناء وتحفيزهم للعلم والدراسة، وهي كذلك دعوة لكل الجهات المهتمة بالتعليم، سواء حكومية أو أهلية أو خيرية تقدير أهل العلم وطلابه، فهذا هو طريقنا للرقي والتقدم والازدهار .