الثورة .. شعبٌ يكون

          الثورة فيض شعور بظلم ، بعسف ، بطغيان ، بقهر، بحرمان ، يُخرج المظلومين عن صمتهم ، عن غضبهم المكبوت ، إلى أن ينزاح الظلم والظُلام ، العسف والطغيان ، القهر والحرمان .

الثورة فجر تغيير منشود ، إطلالة أمل باسم الثغر طلق المُحيّا ، ربيع حلم مآسي آن لها الانتهاء و دموع آن لها أن تتكفكف وغشاوة آن لها أن تنقشع ، و أحزان آن لها أن تندثر، الثورة قيام الروح من سباتها ، عودة العقل الجمعي من غيابه و تغييبه في ظل نضوج وعي بها وبحتميتها .

هي تسريع حل لطلاسم طالما اجتهد صانعوها في حبكها وإحباط فكها و عملوا على صيانتها وتمتين نسجها ، هي خطوات الشعب العجلى إلى التغيير الميئوس منه والبعيد مناله ومتناوله لولاها .

الثورة هي إنزال آمال الشعب من على مشانق المستبدين إلى ارض الواقع الملموس المحسوس تتحقق و تتدفق فيها الحياة ، هي قرار الشعب النهائي أن يكون وأن يدحر عنه ليل التسلط وديجوره ، تسلط الفرد والعصابة الحاكمة ، وإن زعم الزعيم ، أو زعموا ، أنهم قد زهدوا السلطة والتسلط  والحكم والتحكم ، أو أرغى وأزبد  أو أرغوا و أزبدوا  أنّ الشعب يحبهم و يحبونه ويفتديهم و يفتدونه ، و يحرص على الوفاء لهم ويحرصون على مصالحه العليا ، و إن روجوا أنّ الأمهات قد عقمن أن يجُدن بمثلهم .

الثورة قومة  شعبية لإعادة الحق إلى نصابه ، لإنقاذ الوطن من ذابحيه ، لاسترداد الوطن من خاطفيه ، هي إعادة للحق العام والحق الخاص إلى نصابه .. الحق العام للشعب في الثروة والسلطة ، والخاص لإفراده في ما هو حصاد شقاء  عمر وضنى دهر، و مستحق بشر كرمهم باريهم .

الثورة هي إصرار على الحياة مدفوع الثمن من غير من و لا أذى ولا تردد ولا شعور بالبخس ، هي الشهادة تقرع الأبواب فيفتح لها عشاقها لتأخذهم إلى عالمها الفريد ، إلى حياتها السرمدية و رزقها غير الممنون و فرحها الخالص و بشارتها اللاهبة لشعور من لم ينالوا شرفها .

الثورة هي التضحية بالعرق والدم والوقت والمال ، هي استعداد تام للصبر والسهر والتعب والإيثار والألم ، هي بذل المعروف و الكرم والسخاء ، عطاء من الفرد والأفراد ،  مع استمرار في استعداد حتى انجاز النصر المؤزر ، و تسييجه ، والحفاظ عليه من قطاع الطرق ، هي بذر من الشرفاء الأوفياء لامتهم و وطنهم ليحصد المجموع : كرامة  وحرية وأمن وعدل و تمتع جمعي بثروات المجموع وفق قانون يبرموه ويطبقوه و يحموا حماه ، لينال المجموع بناء وتنمية وبهجة لهم وللأجيال الآتية من بعد ، والمتعاقبة في قادم الأزمان .

الثورة هي ملحمة شعبية لاستنقاذ الوطن : الإنسان ، الأرض ، الثروة ، السلطة ، من أيدي مغتصبيها وإن ادعوا أنهم إنما نالوها عبر انتخابات أو شرعية ثورية ، أو توريث من لا يملك من لا يستحق .

هي قرار الشعب النهائي أن يحكم نفسه بنفسه مستنداً إلى قيمه ومعتقداته وثقافته الأصيلة لا التي صنعها الاستبداد على عينه ليطول به مُقام .

الثورة هي إرادة الشعب ان يكون هو، لا أن يكون ـ على عاتقيه ـ الطغاة ، قرار الشعب أن يعيش في شمم ، أن يحيا في عزة وكرامة و سؤدد و إبا ، مرفوع الهامة ، موفور السعادة ، مرهوب الجانب من حاكميه ومن تسول له نفسه النيل منه ومن مكتسبات ثروته ونضاله .

الثورة إنسانية سئمت المسخ والخسف والطمس والامتهان والإذلال والمصادرة لحقيقتها وجوهرها الفذ ،  مشاعر آن لها ان تستعيد تقديرها و بريقها ولمعانها وإشراقها .

نفق مظلم حشر الوطن والمواطن فيه سياسات حمقاء لساسة لا يهمهم سوى نزواتهم المادية والمعنوية و ذواتهم المتضخمة  ، نفق حُق للجماهير و وجب أن تضع وتصنع له مُنتهى مهما كلفها ثمن فهو لن يكون أثقل من أثمان باهظة تدفعها باستمرارها في ذاك النفق بائسة خانعة يائسة من خلاص وتخليص .

الثورة هي صيحة الشعب المدوية  في وجه الاستبداد والمستبدين : متى استعبدتمونا وقد ولدتنا أمهاتنا أحراراً ، متى مُلّكتم الوطن وثروات الوطن وقد وجد ذلك وانتم ومن خلفوكم لازلتم بظهر الغيب ، الأرض لنا وما فيها لنا وهي بنا ولنا ، نحن لسنا قصّراً ، إننا نتحمل المسؤولية كاملة فنضع نحن أمانة القيادة و تبعة المسئولية بين يدي من نختار نحن لا سوانا وبمحض إرادتنا وحريتنا ونسترجعها منه متى أردنا نحن بزمن محدد ينقضي أو خروج  منه عن جادة الصواب يطرأ ، قد سئمنا من يتجبر ويطغى و يزعم نحن هو وهو نحن .

الثورة زلزال عات صاعق ناسف لبنيان الطغيان من أسه وأساسه ، ومؤسسة الفساد والاستبداد من جذورها ، بركان هادر مزمجر جارف كاسح لا يقف في وجهه ودون إنسياحه إلى منتهاه ، إلى مبتغاه ، واقفٌ مهما أوتي من قوة وسطوة ، جُند وحرس ، أشاوس وعُسس دهاء ومكر و أدوات و مال مُدنس بآهات الجماهير وتعاستها وحرمانها وحسراتها ودموعها ودمائها ، وهي في المقابل نهر مضطرد هادئ لين سموح  حامل وضامن لأمنيات المحرومين أن يهل زمن اخضرارها وتفتحها ونضجها ليقطفوا من مروجها الباذخة جناها الحلو وثمرها المُستطاب ... وينعموا بمرآها وبمذاقها و إمتاعها و إشباعها ، ويستريحوا على أريكة المحاسن والمباهج في أمن ورخاء وعزة قعساء .

الثورة الهتاف العبقري السحري للسواد الأعظم ، للغالبية المتحدة المتآزرة المستيقظة :الشعب يُريد إسقاط النظام .

.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص