لقد
احترق قلب وقالب علي عبدالله صالح هذا بعض ما أظهرته صورته التي أطل بها من على
شاشة التلفاز مساء الخميس السابع من يوليو ، لقد رحل عن المشهد السياسي اليمني
بالطريقة التي يستحقها لا بالصورة التي كان يتمناها لنفسه من بعد ثورة قوّضت عرشه
وصدعت غطرسته (الرحيل المشرف) والتي لم ترفضها الرموز الوطنية اليمنية حيناً من
زمن الثورة السلمية المتصاعدة كمخرج آمن لليمن من ديجور حكمه الاستبدادي الارتزاقي
الذي مثل فيه بشخصه خير مصاص ومُعلّم في فن امتصاص خيرات الوطن والاستحواذ عليه
وتحويله إلى مجرد ضيعة ومزرعة له و لأولاده و بين أيديهم النزقة يغدو ويروح
الأذيال و الصنائع و الخُدام من باعة الضمير وعُباد الدرهم والدولار والشهوات بل
والذوات التي ينفخها الغرور و يعبث بها الهوى المُتبع حفاظاً على سلطة لم تكن
شرعية وثروة لوطن يترنح تحت مطارق الظلم و التخلف التنموي والفقر والمرض والجهل
والتجهيل والتفتيت والتمزيق ليدوم لعلي صالح وبنيه الحكم و لتصبح لدينا جمهورية
مسخ مثالية هي خيانة لدماء شهداء سبتمبر وأكتوبر ولكل الأرواح الطاهرة التي ضحى
بها أصحابها ليكون لليمن المجد والسعادة ولبنيه الظفر والنماء والسؤدد لا لشرذمة
من الأفاقين محترفي التلاعب بالدساتير والقوانين والإرادة الشعبية.
· إن المشهد الذي ظهر به علي صالح هو بعض
جزاءه على ما اقترفت يداه من قتل للمئات من أنبل أبناء اليمن خلال الثورة الشبابية
الشعبية السلمية المتصاعدة إلى ان يقتطف شعبنا نصره المظفر .. لقد كان وصنائعه
يمارسون القتل وبدم بارد ويزيدون إليه وعليه تخريجات مفضوحة هي إجرام في حد ذاته ،
لقد أشفى الله بعض ما في قلوبنا تجاه هذا الرجل الرمز .. رمز الشر والفساد و
التلاعب والمراوغة الصبيانية والدجل الفاضح والخيانة الوطنية والدموية والعمالة
المزدوجة للأمريكي وللسعودي ، ورغم أنه
يستحق وأركان نظامه ما حصل لهم جميعاً
داخل وخارج قصر الرئاسة إلا أنه لم يُعدم من البكائين الذين يذرفون دموع النفاق على
رجل مجرم ارعن لم يتردد في دمويته و فنه الخرب وجنونه السلطوي التسلطي ولسان حاله
( نبقى ويشقى الشعب) والذي تطور بعد اندلاع الثورة االشبابية الشعبية السلمية
وتصاعد مدها الثوري إلى(نبقى ويفنى الشعب ) ثم (نرحل ويفنى الشعب) بعد أن يئس
وخانته كل حيل البقاء في ظل ثورة تشهدها كل البلاد بالطول والعرض ، وهم يتوسلون في
بكائياتهم الصالحية هذه المرة بانّ ما حصل له كان داخل (بيت الله) ويوم الجمعة وهو
يصلي.. لم يكن بيت الله هو الهدف بالضرب و القصف بل من بداخله من أركان نظام دموي
فاسد مُفسد عاث في ارض الإيمان والحكمة الفساد ، و استغرب و أتساءل و أندهش : أيّ
نفسية وعقلية تلك التي يقابل بها سفاح مثالي رب العالمين في صلاته .. كيف يجرؤ على
مقابلة الرحمن الرحيم سريع النقم وقلبه عازم على المزيد من الإجرام ويديه و أشداقه
ملطخة بدماء الأبرياء الأطهار الأنبل والأصدق روحية وطنيه هي استجابة لحب الوطن
الذي لم يختاروا محبته ولكن اختارها باريهم فغدت من الإيمان الذي يدينون به علام
الغيوب حدائهم :
· ما اخترنا حبك يا أوطان لكن الله قد
اختاره
· حُب الأوطان من الإيمان إنا لنعلن أسراره
ويخرج إمام تلك الجمعة على شاشة التلفاز محروقاً كسيده ليقول لنا انه كان
يجامل السفاح في بغيه ويدعوه إلى المزيد منه والى المزيد من القتل و الإجرام .. لقد
قال ذلك الإمام انه شرع في الركعة الأولى يقرأ سورة الفتح ((إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ
فَتْحًا مُبِينًا )) يا له من اختيار في غاية البشاعة أن يصف جرائم ودموية المجرم
المتسلط بأنها فتح ومن الله ، لا بل وهذا
الفتح (( لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ))
ليس هذا فحسب بل ((وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ )) بالكرسي المخضب بالدماء
الطاهرة والمال المحرم المنجس بآهات المحرومين والمتعوسين بفعل حكمه البئيس ، وأضف
إليه ((وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا)) أهذه هي الهداية ؟؟
إنّ بعض الأئمة يرتقون إلى مراتب المجرمين
وهم ينتقون ما يقرأون في صلاتهم من كلام الله الجليل ، إنهم يمتهنون القرآن
ويسخرونه لخدمة الطغيان والزور والبهتان و إغضاب الواحد الديان و مع هذا يشوهون
الإسلام و تعاليمه وروح نصوصه وبصورة في غاية البشاعة .
ويمضي سياق الآيات لنجد (( وَيَنْصُرَكَ
اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا )) وهو يريد أن يشير أنّ جرائمك ودمويتك بحق الوطن هي
نصر من الله عزيز فلما تتردد وأنت تمارس طقوس انتصارك ، لا عليك انه إنما نصر عزيز
من الله على شعبك الذي لم يعرف لك حقك في ان يكون عبداً لأهوائك ومطامحك وأسرتك
الكريمة المشروعة ، و بالتأكيد كان الإمام ذاهب ليضع السفاح في مقام أصحاب النبوات
أكرم الخلق عند خالقهم وعند المُهتدين من المخلوقين ولكن ـ وبحسب روايته توقف هنا
ولم يعد إلى وعيه إلا في المستشفى الجمهوري بصنعاء و لولا ذلك ذلك لوصل إلى قول الحق سبحانه
وتعالى (( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا )) ولكنه توقف أو أوقف ، ليبقى باقي النص القرآني
الذي يهم بقراءته تزلفاً يبقى ليصور حقيقة
الطرف المقابل ، الطرف الثائر ليدفع عن وطنه الظلم والظلام العسف والقهر والطغيان
والحرمان (( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ
لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا
عَظِيمًا (5) وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ
وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ
السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ
وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَكَانَ
اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7))) ، سبحان
الله العظيم ذي الملكوت والجبروت، وبالمناسبة كلام الإمام ينفي مزاعم أبواق النظام
أنّ الانفجار حصل أثناء السجود ليكسبوا تعاطف شعب أبي حر مارد شرس مع طاغية مخضرم
.
.
لقد سخر ذلك المنتظر المحروق في موسم
انتخابي خاضه كعادته مستنداً إلى الشقائق الخمس ( المال العام والوظيفة العامة و
الجيش والأمن والإعلام الرسمي واللجنة العليا للانتخابات ) سخر من أنبل بني الوطن
وهو يُدرك ذلك جيداً حينما زعم انه استخدمهم مجرد كرت وقد انتهى مفعوله أي (احترق)
بالرغم من أنّ تلك الطائفة الأنقى والأطهر لم تكن في يوم من الأيام تعمل لسواد
عيونه الكالحة ولكن تعمل لسواد عيون الوطن المُفدى ومن وراءه رضاء الرحمان الملك
الديان قيوم السماوات والأرض بالعدل الملك الحق المبين ، وهاهو ذلك الزاعم المتشدق
يظهر كرتاً محروقاً بحق وحقيقة ، وهو لم يحترق قالبه الجسماني الخارجي فقط بل و
بلغ الحريق معنوياً إلى قلبه ..
لقد كان يغلب على ضني وهذا ما كنت أتحدث به
ان الرجل قد تعرض للحريق و (التكشين) بتعبير أهل حضرموت وكنت أتمنى على الأقل ذلك
أي ان يكون فعلاً قد تعرض للأذى الموجع .. وماذا ينتظر من أبناء الوطن غير هذا
كأقل أمنية وهو يسومهم و وطنهم المعطاء مسخاً وعنتاً ومشقة مؤبداً مع ذلك كل هذا
عبر تأبيده وبنيه في سدة الحكم .. و الظلم مرتعه وخيم ... وعلى الظالم تدور
الدوائر ، ولقد تمنى داخل سوق موسم زيارة القطن التجاري فتى في حدود الخامسة عشر من عمره لم أكن أعرفه أن يعيش الطاغية علي عبدالله صالح
سنوات أخر خارج السلطة حتى يُدرك كيف يتطور اليمن ويزدهر على يد غيره ثم يموت
بغيظه وقد كان يزعم وتزعم صنائعه ويُصدق بعض البسطاء أنّ ما في النجوم إلا سُهيل و
أنّ (( قبلك عدم وبعدك ندم )) كما كتب متزلف مبهرر في لوحة ضخمة بمدينة عدن ، و أنّ ما عداه وما عدا من يتخرجون في مدرسته
،هم بلداء مفلسون ولا يجيدون التصرّف ولا يُحسنون تدبير السياسة والسلطة السياسية
!!
لقد كان علي عبدالله صالح يقول ، زمن
الامتلاء صحة جسدية وغرور وتشدق ببنيات الكلام ، ويُكرر أنّ كرسي الحكم هو نار و
أنه زاهد فيه ... كان يرددها ليزهد غيره من السعي إليه وليقول انه لا متنعم به و
لا مستريح ولا طامح فيه وإنما هو معاناة ومقاساة ومكابدة للأهوال وتضحية من اجل
الأوطان !!!...
ياللهول !! فلما جاء زمن اختبار الأقوال
العريضة نكص على عقبيه وسقط في الامتحان سقوطاً مدوياً وجدناه يرفض الرحيل لا بل
ويشهر قوات الشعب المسلحة لتضرب الشعب الذي تجرءا ـــ من وجهة نظره الكليلة
القاصرة ــ وطالبه بالرحيل عن الكرسي والأصل أن يكون مستجيبا وممتناً لو كان
صادقاً في مزاعمه و تشدقه عن نارية كرسي الحكم ، لقد أبى واستكبر و أصر على
استكباره وظن أنّ قوة الشعب الباطشة التي غدت رهينة في يده مانعته من رحيل ومانعته
من إيذاء ومانعته من محاكمة عادلة له ولأعوانه ، بل ومؤهلته لضرب الثورة وإفشالها
وصنع مصير مختلف تماما عن مصير أستاذه الحميم طاغية مصر حسني مبارك ، كان فعلاً
مصيراً مختلفاً ولكن على الطريقة اليمنية الجبارة ، محروقاً ، كان يخاف من فضيحة
المحاكمات ويتحاشاها فإذا به يقع في فضيحة الاحتراق وهو الذي كان يزعم انه يُجيد
الرقص على رؤوس الثعابين ..
يالها من ثعابين طالته من حيث لم يحتسب
بقدرة سريع النقم جبار الأرض والسماء وتقديره .
وحين برز علي عبدالله صالح البروز الذي
يستحقه وجدناه لا يزال يمارس سياسة التهريج اللفظي الممجوج فهو يسأل عن ((الرجال
الذين يخافون الله )) مستنكراً عدم وجودهم ليقول وبصورة غير مباشرة انه هو من يخاف
الله ولا أحد سواه بل هو مُلهم ومعلم وباعث في الآخرين خوف الله !!!...عجبي و عجبي
لا مُنتهى له ، هل كان يخاف الله من أخذ يحرق الأخضر واليابس في ارض الإيمان والحكمة
وكان (ينتوي) لا عدم الترشح كما قال أستاذه العميل المخضرم محمد حسني مُبارك ولكن
(ينتوي) استكمال مشروع حرق الوطن ولكن وصلت إليه نيرانه التي أشعلها فاصطلى بها
قلبه قبل قالبه لعله يضع حد لجنونه و دمويته فيُعيد للوطن ما انتهبه منه : سلطته
وثروته والوطن يختار وبإرادة حرة من يضع بين يديه الأمانة ولم يعقم وطن الإيمان
والحضارة السامقة من أبناء صالحين حقاً لا ادعاءً وزيفاً وتسمية للشخوص بغير
مسمياتهم :
ألقاب مملكة في غير موضعها *** كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد
لقد كان هذا جزء من حصاد ثورة سلمية هادرة متصاعدة وهي ماضية في خطها لا
تعرف سوى المزيد من الانتصار حتى تتكامل لها مقومات الانتصار المُظفّر ،إنها ماضية
لتحقيق النصر النهائي على الاستبداد والتسلط و العسف والقهر إما بطريقة التوافق
السياسي الملبي لرغبة وإرادة الشعب الثائر وإما بطريقة الحسم الثوري الذي قد يكون
مُكلفاً ولكنه حتمي في نهاية المطاف ان لم يجدي أسلوب التوافق السياسي الذي يعيد
الشعب سيداً على أرضه .