وهج الحسم

 كلما كان البناء أضخم احتاج إلى أساسات امتن وبالتالي عمل قد لا يلتفت له المارة ، وكذلك النبتة تبقى تتفتق بذرتها فترة من الزمن و لا يُدرك هذا المارة ، وهكذا هي ثورتنا الشبابية السلمية الشعبية المتصاعدة ، لا يُدرك الكثيرون عظم الانجاز الذي تصنعه وتضع مداميكه المتينة على ارض السعيدة ... ولكن فينا من يستعجل بحسن نية وعدم إدراك للطبيعة اليمنية ، ومنا من يُظهر الاستعجال ويُبطن التشفي أنّ الثورة لن تنجح ، وهذا الأخير لا يدرك أن الثورة إنما قامت من اجله ومن اجل بنيه وبني بني بنيه كما قامت لكل أبناء اليمن في الحاضر والأجيال المتعاقبة في المستقبل والثورة ماضية في سلميتها التي انطلقت على أساسها وهي تسير إلى الأمام دون تراجع أو انهزام إنما نحو النصر المُظفر بأقل التكاليف بإذن الله تعالى .

 

إنّ المقارنة في أحيان بين طرفين أو حالتين تكون مُجازفة وربما إلى الحماقة اقرب كمن يُقارن بين السيف والعصا ، وما يستدعي هذا هو المقارنات التي لم يتوقف البعض عن الدندنة حولها بين الثورة في اليمن وسابقتيها الثورتين التونسية والمصرية ومع أنّ معظم من يدندنون بالمقارنة لا يدركون حجم الفروقات بين الطبيعة السياسية للدول الثلاث إلاّ أنهم يتوقفون عند النماذج السابقة فلا يتعدونها للنموذجين اللاحقين الليبي والسوري وإن كان البعض فقط يريد من ثورتنا انتهاج الأسلوب الثوري الليبي وهو كذلك لا يدرك ـ في أحسن الافتراضات ـ البُعد الذي اضطرت معه الثورة الليبية اضطرارا للدفاع عن نفسها ، لا شك هناك قواسم مشتركة بين الثورات الخمس أبرزها الاستبداد السياسي والفساد الاقتصادي كعلامات ميزت تلك الأنظمة وتصطبغ بها نظم أخرى إلا ان من الفروقات الجوهرية ما لا تصح به المقارنة من حيث الأسلوب الثوري والمدة الثورية ، إنّ علينا في أحيان كثيرة ان نتأكد من أننا نفكر بعقولنا لا بقلوبنا ، وفي أحيان علينا ان نكف عن الخوض في تفاصيل لا نملك عنها لا المعلومات ولا الوعي اللازم لنا لنكون أهلاً لخوض من هذا النوع.

 

ويبقى الاستعجال فينا طيعة بشرية يجب أن ندركها ونحن نخوض المعترك الثوري قال الله تعالى: ((خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ)) والعجلة حليفة الندامة والتاني حليف السلامة وقد قال القطامي: قد يُدرِكُ الْمُتَأَنِي بَعْضَ حَاجَتِهِ .. وَقَدْ يَكُونُ مَعَ الْمُسْتَعْجِلِ الزَّلَلُ ، وقيل : ((من استعجل شيء قبل أوانه عوقب بحرمانه..))وقال قال أبو حاتم البستي - رحمه الله : "إن العَجِل يقول قبل أن يعلم ، ويجيب قبل أن يفهم ، ويحمد قبل أن يجرب ، ويذم بعدما يحمد ، والعجِل تصحبه الندامة ، وتعتزله السلامة ، وكانت العرب تسميها أم الندامات"..

 

وفي المُقابل: أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ***ومدمن القرع للأبواب أن يلجا

 

وها هو ذا الخارج يُعيد ترتيب أوراقه بما يتواءم والروح الثورية الشبابية الشعبية التي استعصت على الكسر والانطفاء أو حتى الخمود وهذا واحد من ثمار التأني الجمة وعدم الوقوع في براثن العجلة ..

 

إنّ  المتأمل في خطاب القوى الثورية اليمنية منذ ما بعد رمضان المبارك يُدرك بُعدين يصبغان مرحلة الحسم هما التمسك بالخيار السلمي كمبدأ أساسي ولكن وفي حال ذهبت بقايا النظام إلى خيار القوة للانتقام من الشعب وثورته الظافرة فان القوى الثورية على استعداد لخوض المعركة وهي تمتلك الشرعية العقدية والشرعية السياسية ؛ فظلم وإفساد نظام علي صالح لا يختلف عليه راشدان من اليمن أو من خارجها ممن لديه سلطة أم ليست لديه سلطة عربي أو غربي ، والإسلام هو دعوة لإزالة الظلم فقد لخص الصحابي ربعي بن عامر طبيعة الإسلام هذه حين خاطب الزعيم الفارسي رستم بقوله(( الله جاء بنا ، وهو بَعَثنا لنُخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ، ومنْ ضيق الدُّنيا إلى سعتها، ومن جور الأدْيَان إلى عدل الإسلام ، فأرسل لنا رسوله بدينه إلى خَلْقِهِ ، فمن قبله قبلنا منه ورجعنا عنه، وتركناه وأرضه ، ومن أبى قاتلناه حتى نُفضي إلى الجنة ، أو الظَّفر.))

 

فالإسلام دين العدل ، وأما الشرعية السياسية فلم تكن لعلي صالح كحاكم منذ ما بعد انتخابات 2006 على وجه التحديد أي شرعية سياسية إلا شرعية التغلب بالقوة العسكرية فقد شهد العالم بتزييف الانتخابات الرئاسية وبالتالي زيف الشرعية السياسية(الدستورية)التي ادعاها علي صالح ويدعيها أبواقه ، و لما كان الشعب قد خرج بملايينه التي لا يرى منها علي صالح في خطابته و مقابلاته إلا (ساحة الجامعة) ـ وانعم بها ساحة الصمود الفذ لغطرسة النظام وعفونته ـ فقد أصبح للثورة بمجلسها الوطني الشرعية السياسية .

        

إنّ المتبقي لمرحلة الحسم هو ضم القوة العسكرية الضاربة المتبقية بأيدي بقايا النظام إلى صف الشرعية العقدية و الشرعية السياسية وهذا أمر يتم مرحلياً بحيث يضمن للشرعيتين العقدية والسياسية بالتطبيق إما بتدمير هذه الترسانة التسليحية أو السيطرة عليها وإما بعزل بقايا النظام عن هذه القوة التي من خلالها يعتقدون أنهم قد تملكوا اليمن وانه بإمكانهم إشهارها في وجه من أراد (حرمانهم تملّك اليمن) وهذا حصيلة العقلية الفاسدة المفسدة التي حكم بها علي صالح البلاد منذ عام 1997م حيث برزت لديه وطغت عقلية التملك والاستفراد بكل مصادر القوة والمال ليضمن بقاء اليمن واليمنيين تحت نفوذه وأسرته ولكن عاجلته هذه الثورة

الربيعية العربية قبل ان يكتمل له مخططه التملكي العقيم إلا من إشاعة الاستبداد السياسي ونشر الفساد الإداري والمالي ويأتي بعاهاته المُستدامة ووجهه الكالح ليدعو إلى انتخابات جديدة يطبخها بعقليته القمئة المتوجة بالعار ويداه الملوثتان بدم الشرفاء ومُقدرات الشعب وهذا ما هو مرفوض من الثورة بالضرورة فلا مجال له ولبقايا نظامه إلا ان يفسحا المجال للشعب وشرعيته الثورية ، أو ان الشعب سيزيلهما عن كاهله مهما كلّف الثمن ، انه الجنون الذي يدفع ببقايا النظام إلى التفكير الانتقامي من شعب طالما أذاقوه صنوف القهر والحرمان والاستهزاء والاستخفاف..نظام لم يعمل لصالح شعبه ولم يترك لغيره ان يعمل وفي ذات الوقت مستمسك بسلطة سخرها نقمة على الشعب صاحب المصلحة في السلطة والثروة.

    

لقد أسقطت الثورة السلمية الشبابية رهان النظام على الوقت وهو رهانه قبل الأخير،لم يكن احد يتوقع البتة ان يصمد الشعب في الساحات والميادين كل هذه المدة ،كان النظام يعتقد انه حين يتحول إلى قوة إرهابية بسلاح أمريكا التي تحارب به الإرهاب!! بإمكانه ان يجبر الثورة على الانفضاض فارتكب في ما ارتكب مجزرة جمعة الكرامة فكانت النتيجة لغير صالحه البتة فانضمت القوى العسكرية الرافضة لمشروعه التملكي إلى الشعب صاحب الحق في السلطة والثورة ، وقيل وأُعتُقدَ .. في شهر ويمل الشباب فشهرين فرمضان على الأبواب وليس من المعقول البقاء فكان البقاء العظيم فقيل إنها العيد ولاشك ستفض الجموع فشهدت ساحة الستين أبدع لحظات الزخم الثوري ومضت العيد لينهار خيار النظام و لربما معه أنظمة الدول المجاورة الخائفة من حكم الشعب ومن نموذج الثورة الشعبية السلمية الذي لم تحسب له كل الأنظمة حساباً وكانت فقط تتحسب لانقلاب عسكري تجهضه بصفوة ونخبة عسكرية تدين لها بالولاء لدرجة العبادة ، ولم يبق للنظام المتهالك سوى ورقة واحدة ووحيدة ألا وهي ورقة الانتقام وهي ورقة سترتد في نحر فلول النظام قبل أي شيء آخر مثلما أشار إلى هذا القائد الثوري الهمام المناضل الوطني الجسور علي محسن صالح الأحمر قائد الفرقة الأولى مدرع والمنطقة الشمالية الغربية في خطابه عشية عيد الفطر الذي جاء إعذاراً وإنذاراً لكل من يهمه الأمر في الداخل والخارج .

   

إنّ الثورة حين تندلع لا تعرف إلا النصر وهو في الحالة اليمنية الراهنة إما نصر تسهم فيه القوى المفضلة للخيار السلمي في انتقال السلطة فيكون لها يد بيضاء على الشعب يحترمها ويُقدرها في قادم الأيام وإما نصر مؤزر ليس لها فيه أي يد إلا يد كانت لينة ومتهادنة مع نظام طالما افسد تحت سمعها وبصرها وطالما استبد وظلم وقهر وهي عنه صامته ـ  ما خلا كلمات خرساء في ساحة الفعل المؤثر ـ بل وداعمة ومباركة لعل وعسى ان يجهض ثورة الشعب فتمضي مخططاتها مع حليفها الباغي الذي دارت عليه وتدور الدوائر سيخرج شعبنا من هذا الخضم منتصراً بإذن الله الواحد القهار ، سيخرج شعبنا أكثر عظمة وكبرياء ، سيخرج شعبنا من ليله الأليلِ ليتنفس نسمات الصبح الوطني العليلة ويتفيئ ظلال العدل والنمو والازدهار والسعادة والفخار الوطني ؛ وعند الصباح يُحمد القوم السُرى.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص