اليقين الثوري

 الروح الواثقة المتيقنة في ذاتها وهدفها ومسارها ومسيرها ومستقبلها هي الأقرب إلى الظفر والأحق به ، واليقين الثوري من المقومات اللازمة لانتصار الثورات وتحقيق أهدفها وتطلعاتها ، وهذا اليقين تتعدد أنواعه وتتنوع التحديات في طريقه ولكن لابد منه لإحراز النصر المظفر وتحقيق الأهداف الثورية .

1. اليقين في الله ناصر المظلومين :

حينما يثور الشعب ويقدم التضحيات الغاليات فليس هذا منه ترفاً ولا لعباً و لا وهماً و لا تقليداً و لا إيعازاً من خارج الوطن ولكن لآلام آن لها الزوال ودموع آن لها ان تتكفكف وأحلام وأمنيات وطنية مشروعة ومقدور عليها آن لها تتحقق ، يثور لظلم نزل واستوطن ، يثور لعدل ودع واقع بئيس وارتحل ، والله هو رب المستضعفين المظلومين وهو رب العالمين وهو العدل ولا يرضى بالظلم أن يقع على من خلقهم لعبادته في أحسن تقويم وهو بهم راحم ما استجابوا لأمره وانتهوا عن نهيه وتلك سنة الله في الأولين وهي سنته التي لا تتبدل في الآخرين ، ولذا فان الشعب أن يثور ضد ظلامه و مستبيحي جانب مما كرم الله به هذا الإنسان فهذا مما يرضي خالق الخلق الذي لا يرضى بظلم العباد لبعضهم البعض ولا يرضه لذاته العلية جل جلاله .

حين تتدخل القدرة الإلهية فهي ضمين للشعب بالانتصار وللاستبداد بالهلاك وللمستبدين بحساب وعقاب على ما اقترفته أيديهم بخلق الله منه المعجل في الدنيا بأعمال البشر وبمحاكماتهم ومنه ما يلقاه المجرمون في الدار الآخرة ، حينما تتدخل قدرة الله تتيسر للمظلومين سبل انتصارهم وتحقيق أمانيهم و قدرة الله لطيفة قد لا يفطن لها الناس وهي تفعل فعلها ولكنهم يدركون سرها وتدفقها بعد حين ، وكلما كان المظلومين أكثر فضائلاً واستمساكاً بالخلق النبيل في واقعهم وعاقدين العزم الأكيد على الاستمساك بتلك الشمائل والفضائل من بعد انتصارهم المأمول كان تيسير الله ـ عالم السر وأخفى ـ لهم و في صفهم و كلما تدخلت يد القدر الطليقة لتحقيق أحلامهم وطموحاتهم .

2. اليقين في مشروعية الثورة:

الثورة لم تقم بدفع باطل و لا من اجل الباطل وإنما لإبطال الباطل الذي يرتع ويُعربد وبالتالي إحقاق الحق ، ولا يكون عيش الناس و لا سعادة إلا في ظل الحق الذي يعلو ولا يعلو عليه باطل ، والثورة لم تقم من اجل الخلاص من فرد أو تحقيق رغبات آخر أو آخرين فئة أو جماعة ولكن مجتمع مثخن بجراح الاستبداد ووطن مثقل بتركته وهما يريدان الخلاص الانعتاق وذلك حق لهما تقره الشرائع السماوية والعقول المنصفة التي لها محلها المبجل من الاحترام والتقدير ، و الثورة لا تحقق رغبات القلة ولا مطامعهم ان وجدت لهم مطامع شخصية وإنما  مصلحة الجمهور العريض السواد الأعظم صاحب المصلحة في السلطة و الثروة .

3. اليقين في القدرة الشعبية:

الشعب متى ما تسلح بالوعي فانه قدرة خلاقة ، الشعب المستيقظ طاقة فعل جبارة ،الشعب أداة تغيير لا تصمد أمامها قوة ولا مكر ولا دهاء متى ما كان واعياً لحقوقه و واجباته و واقعه السياسي والاقتصادي والاجتماعي  وحين يُريد الشعب فإن الأقدار تستجيب لإرادته المهم هنا هو أن يُريد وهذه الإرادة الشعبية يخلقها الوعي الجديد الذي يُنضجه تراكم المعاناة وترادف سُدف ليل الاستبداد وتعاظم نكباته بفعله كما لطلائع الشعب دور خلاق في تكوين وتنضيج الوعي الشعبي .

والشعب الثائر لابد له من  اليقين التام  في قدرته على صنع المستحيل ، قدرته على دحر نظام الاستبداد والارتزاق والتسلط ،قدرته على استعادة حقه في التحكم بالسلطة في وطنه والثروة .

4. اليقين في القيادة الثورية :

لكل ثورة قيادة تفرزها ساحاتها والواقع الذي يصنعها ، ولابد لتحقيق الانتصار من رص لصفوف الثوار وتنظيم لقوتهم الثورية وشكيمتهم الثائرة حتى لا يذهب هذا هباء منثوراً بفعل النفسية الاندفاعية وحتى لا يتمكن الاستبداد من تشتيت الصف الثوري بدسائسه ومندسيه وإشاعته المتجددة المتتالية المحبوكة المطبوخة بعناية في أحيان كثيرة وهناك طابور من الناس السلبيين يلتحقوا بكتائب المرجفين الرسميين بادراك منهم أو غير إدراك ، ولتحقيق هذا الارتصاص يكون لزاماً من قيادة ثورية يأتمر بأمرها الصف الثوري ، قيادة تضمن تحقيق الدفع المنظم بقوى الثورة وتكويناتها وتشكيلاتها ، ومن اجل تحقيق الانضباط التام لأوامر هذه القيادة لابد من ثقة فيها فبدون الثقة تصبح أوامرها وقراراتها محل شك وتشكيك سرعان ما يتسلل إلى الصف الثوري ليضعف متانته ويقضي على تأثيره الهائل حتى تفشل الثورة أو تزيد تكاليف انتصارها ، والعكس صحيح فكلما ازدادت ثقة الصف الثوري في قيادته كلما كان أمتن واقدر على مجابهة التحديات .

ومن نافل القول ان الثقة ليست عبثاً من الأمر والاعتقاد ولكنها نتاج للنجاح القيادي المتحصل بمرور الزمن والمتكون في شخوص القيادة وهي تتبوأ هذه المكانة الرفيعة ولابد للقيادة لتحقق النجاح تلو النجاح من تشاور بين أفرادها وتداول للرأي قبل اتخاذ القرار في المسألة الواحدة  بل وفي أحيان العودة إلى الصف الثوري لاستشارته في المسائل الفاصلة ، ومن نافل القول ان الثورة ترفض أن تُساس بعقلية استبدادية تسلطية .

5. اليقين في الشرعية الثورية:

الشرعية الثورية هي الابن الشرعي المباشر للثورة ،هي النتيجة الطبيعية للثورة ، ما هي الثورة ؟ إن هي إلا هبة الأغلبية لاستنقاذ الوطن من مغتصبي سلطته وثروته ، إنها الإقرار الجمعي لأصحاب السلطة والثروة أن

يستعيدوها من الممسكين بتلابيبها بحق أو باطل ، وخروج الأغلبية إلى ميادين الثورة وساحاتها يعني ببساطة سقوط شرعية أهل السلطة الذين قد يقاومون الرغبة الشعبية عبر مقدرات الشعب وإمكانياته قدر استطاعتهم و بقدر ما أطاعهم واستقام في أيديهم فئام من أبناء الوطن قوة ضاربة لوطنهم قامعه لبنيه الذين يعلون على جراحاتهم ويضعون بجماجمهم حجر الأساس للمستقبل الحر المشرق المزدهر الذي يودع فيه أبناء وطنهم  بوقفتهم و بتضحياتهم الجسام مستنقع الاستبداد إلى مروج الوطن الخضراء .

6. اليقين في حتمية الثورة:

الثورة حين تندلع فهي الملجأ الأخير والطريق الإجباري الذي على الشعب ان يسلكه للقضاء المبرم على ناهبي خيراته ومستبيحي مقدراته والعابثين بسلطته السياسية بما يخدم بقاء القلة القلية على كراسي السلطة مسخرة إمكانيات الوطن المادية والبشرية لتلبية نزواتها ورغباتها المنحرفة الأثيمة .

والثورة حين تصاعد مدها إنما هو ناتج طبيعي لحتميتها و مكابرة أهل السلطة في الإذعان للإرادة الشعبية وقد اسقط عنهم الشرعية والمشروعية ، والثورة كحتمية في سياقها الطبيعي العام فهي لا تقدم من التضحيات إلا ما هو حتمي ولا مفر منه ولا مهرب ولا انتصار مظفر إلا به وأرواح ودماء الشرفاء الأحق بالتوفير مهما نجا المجرمون من الجزاء العادل على يد الثورة المنتصرة.

7. اليقين في منهجية الثورة :

حين تندلع الثورة فهي تتبنى الوسائل التي ينعقد بها النصر والانتصار ، إنّ الثورة حين تندلع تندلع بوسائلها وتبقى للإبداعات الفردية مجال متاح ومساحة مفتوحة ولكن في نهر الثورة المضطرد ولا مجال لاجتهادات فردية تناقضها وتخالفها وتُعرّض مسار الثورة للمتالف وصفها للهلاك ، يمتلك الصف الثوري طاقة هائلة للتضحية بكل غال ونفيس ولكن لا تذهب تضحيات الثوار إلا إلى مكانها الحتمي الذي يقره القرار الجماعي المتبصر لا الاجتهاد الفردي المتعجل ، قد يحاول أعداء الثورة اقتحام ميدانها بصنائع لهم يحاولون اجتذاب شريحة من الثوار والمتحمسين منهم على وجه الخصوص إلى ساحات نزال جانبية لضرب الثورة وإثارة البلبلة في صفوفها وإضعاف روحها المعنوية فيجب الحذر من هؤلاء الصنائع أن ينسربوا إلى جسم الثورة والحذر منهم ان ينصاع لهم من الجسم الثري من يحقق مآربهم وينجح كيد سادتهم أعداء الثورة .

8. اليقين بضعف الاستبداد:

الاستبداد كيان ضعيف أمام الإرادة الشعبية مهما سخر من إمكانيات مادية لصالحه ، إنّه روح منهزمة رغم مكابرتها لإظهار خلاف ذلك ونفسية تدرك إفلاسها المعنوي وفقدانها لشرعية الفعل السلطوي الذي تجاوز المقبول عقلاً وعرفاً وقانوناً ، إنها تشعر بالإفلاس الأخلاقي و القيمي والوطني ، الاستبداد عقلية مرتكزة على الصمت الشعبي أن يستمر ويدوم و يزداد ترسخاً بمرور الوقت ، أما حينما يهم الشعب بالثورة فتنهار قواه العقلية ويوظف المزيد من إمكانياته المادية بشرية كانت أم مالية أم آلة قمع وبطش عسكريه وأمنية ، لكنه وهو يفعل ذلك فإنما يفعله وهو موقن أنّ شمسه المشرقة على حقول لصوص الأوطان ومتقطعي طريق نماها وعزها ومجدها آخذة في الأفول ودولته آخذه في الزوال ولكنها القشة ، ولكنه الغريق ، التي يأبى إلا إن يستمسك بها لعل فيها له المخرج ، ويكابر الاستبداد وهو يشاهد قواه تنهار وأركانه تتزلزل ومعاقله تتداعى بفعل الفعل الثوري المتصاعد ويرى سدوده يجرفها التيار الشعبي الجارف الناسف ومقدساته تتناوشها الإرادة الشعبية الجبارة ، انه كان يراهن على استنامة الشعب وهاهو يخسر الرهان والى الأبد .

وفي المقابل فانه كلما ازداد شعور الثوار والثائرات بشرعيتهم الثورية وبأحقيتهم بالثورة بل وبحتميتها كلما ارتفعت وارتقت معنويتهم الثورية وعزائمهم الثائرة وتصاعد فعلهم الثوري ولذا كان في الجيوش الحديثة (التوجيه المعنوي) ولذا لا تنفك آلة الاستبداد الإعلامية الدعائية المسمومة تجهد لتخذيل الثوار وإضعاف روحهم الثورية وتصمهم بالانقلابية وعدم الشرعية وتناقضهم مع مصالح وطنهم العليا!! وتلصق بهم التهم الزائفة التي تتولى حبكها وإخراجها لهذا الغرض.

9. اليقين في مصداقية الصف الثوري:

الثقة الداخلية هي الجهاز الثوري المركزي ، هي الهواء الذي تتنفسه الثورة بدونه تختنق ، هي جهازها العصبي بالنيل منه تنشل حركتها ، هي محور ارتكازها ولحمة مبناها المنيف بدونها تستحيل الثورة ركام حلم

يستحق الوقوف على أطلاله والبكاء والانتحاب .

ولذا فان عدو الشعب يركز على هذا اليقين أن يدمره ليتمكن من الثورة يضعفها ويقضي عليها القضاء المُبرم ولذا كان الاستيقاظ لهذا الأمر وتكريس هذا اليقين في الصف الثوري أمر لازم ينهض به الصف الثوري بصفة عامة بإحسان الظن والترفع على الخواطر التي لا دليل عليها وترك القيل والقال في النوايا و العزمات والغايات لعموم الصف الثوري أو جماعاته أو آحاده  و الحذر من تصديق أراجيف السلطة وأذيالها عن الصف الثوري و رموزه فهي بالتأكيد لا تُكن لهم إلا كل عداء و كراهية تحت الجلد ، كما أنّ للجهاز الإعلامي الثوري مهمة تنتظره بهذا الصدد بتعزيز الثقة الداخلية والتصدي لتخرصات عدو الشعب .

10. اليقين بالانتصار :

لتحقيق الأهداف لابد للساعي إليها أو الساعين من الحلم الجميل بالهدف وقد تحقق وبالمقابل استشعار الحال حينما يكون الإخفاق هو مآل الجهود المبذولة ، ان هذا يخلق روح القدرة على مغالبة العوائق والتحديات التي تقف في طريق الهدف وتجاوزها تباعاً ظفراً به وعيش في حاضر جديد ومستقبل مزدان بجناه المستطاب ، ولذا كان لزاماً للثوار والثائرات من عيش حلم الانتصار وقد تحقق وتماماً استشعار الثورة وقد فشلت وتصدع بنيانها وتهدمت أركانها وتساقطت شرفاتها و منائرها ، ولكن يجب ان يكون الحاضر الأول في الخيال الجمعي

النصر وهو يتحقق مرتبطاً به الأخذ بأسبابه وعوامله مع حرص مستمر على إبقاء الزخم الثوري في تصاعد حتى تحقيق الانتصار ، لابد من اليقين بالنصر ويجب أن لا يسمح كل ثائر وكل ثائرة بخفافيش اليأس أن تحلق فوق رؤوسهم فحينها قد يصبح احدهم عامل تعويق في الصف لا دفع ، قد تكون التكاليف باهظة وقد يتأخر النصر نسبياً عن موعده المتوقع بالنظر إلى مكونات الواقع ورسومه وقد تواجه الثورة قوى لم يكن بالحسبان موقفها المناوئ وقد تتخلى عن نصرة الثورة قوى كان المؤمل فيها تعضيد الثورة ، قد يعلو نباح كلاب الاستبداد و تشتد سياطها على الجسد الثوري في ظل ذلك كله يجب أن لا يخبو روح التفاؤل بالنصر الثوري المظفر مع استيقاظ لعوامل النصر أن تتكامل وتتحقق في الصف الثوري.

11. اليقين  بالمستقبل الثوري :

قد يكون تحقيق النصر متيقن منه داخل الصف الثوري لكن هواجس المستقبل قد تؤدي مهمة غياب أو ضعف اليقين في إحراز النصر، أما إن تضافرا فهو الخطر المُحدق، قد تكون إمكانيات الثورة المادية والمعنوية كافية

لتحقيق النصر مدفوع الثمن العزيز لكن الشكوك في مستقبل الشعب المنتصر تمثل معوق للمزيد من الجهد الارتصاص وهذا جانب لا يغفله عدو الشعب إن يزرع بذوره ويجتهد في ان يوفر لها الري والغذاء بل ويسعى جهده وهو في الرمق الأخير ان يوفر المناخات اللازمة لثمرة النصر ان تفسد ولحلاوته إن تغدو علقماً ولمنجزه الفذ أن يتبدد وقد يقف إلى جانبه في هذه المهمة قوى لا تريد أن تطالها العجلة الثورية و لا تريد للشعب الخلاص من نير الظلم والفساد والاستبداد ، ولذا ينبغي للصف الثوري أن يحرص على ثورته أن تؤتى

من هنا عبر التسلح باليقين التام في مستقبله الذي سيصنعه بإحراز انتصار ثورته وبمجرد سقوط عوامل التخلف والمعاناة و الآلام التي هي جزء من تبعة الاستبداد وبعزيمته على البناء والتغيير بما يوفر للشعب مستقبله الأفضل وحلمه الأسعد .

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص