الترحيل الثوري

تسعة أشهر من الزخم الثوري اليماني المتصاعد كان قطافها الغائي الأول أن يرحل ذلك الرجل الذي أساء وأكثر الإساءة للشعب ، وبمقدرات الشعب ، بعد ان أحسن حين من الدهر ، ثم بدل بالإساءة الإحسان حتى غدا بغيضاً خصماً لدوداً للشعب الثائر من صعدة إلى المهرة .

ولقد كان رحيله وسط حفل نادر أحتضنته (الرياض) وبحضور كبير محلي وعربي ودولي يتقدمه الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز و أمين عام مجلس التعاون الخليجي ومبعوث أمين عام الأمم المتحدة جمال بن عمر مع قيادات المعارضة الوطنية الضلع الثوري الثاني ممثلة في أحزاب اللقاء المشترك و المجلس الوطني إلى جانب قيادات المؤتمر الشعبي..

لقد صنعت الثورة الشبابية الشعبية السلمية مهرجان عبقري القسمات ، ملحمة مجيدة ، للترحيل استغرق تسعة شهور موشى بالتضحيات والروائع تصدره أهل الهمم العاليات والأرواح الأبيات من الرجال الأشاوس والنساء الماجدات أسهم فيه الإعلام الثوري والفن الثوري والخطاب الثوري ورأس المال الثوري والتراث الشعبي الثوري، لقد أسقطت الثورة خلال مسارها الهادر ذاك كل أوراق وأوهام البقاء التي كانت تعشعش في عقل طابت له فكرة تملّك اليمن وإفراغ الجمهورية من معناها وبالتالي مُصادرة نضالات الشعب بأبطاله ورجاله الميامين في حكم جمهوري عادل إلى حكم عائلي ظالم ولكن هيهات فالشعب الذي صنع ثورتين قادر ـ بتوفيق رب المستضعفين قاصم الجبارين مالك الملك ـ على صنع ثورة جديدة تُعيد للأوليتين القهما وتمضي باليمن ليكون من جديد سعيد .

لقد رحل علي عبدالله صالح عن رئاسة اليمن وبرحيله سيبدأ اليمنر، بتوفيق الله و بإذنه تعالى الذي يطلب منا دوماً استفراغ الوسع وبذل المُستطاع ، سيبدأ اليمن يتعافى ويتماثل للشفاء من جراحاته الغائرة القديمة والجديدة التي أصابته بسبب القيادة غير الحكيمة وغير الصادقة مع وطنها وبنيه لسفينة الوطن و الاستمساك الجنوني بدفتها مع إدعاء أجوف في الزهد فيها من قبل (الصالح) الذي افرغ حلمه العائلي والشخصي قيادته للبلد إلا من الشطط والظلم و العسف والتعجرف والغرور وأخيراً قتل الأحرار والحرائر وهم مستمسكين بسلمية نضالهم السلمي المكفول في كل الشرائع السماوية والدساتير والقوانين الأرضية ذنبهم عنده حلمهم ومسعاهم النبيل الفذ ليمن جديد بلا ظلم وظلام وعسف وحرمان يعرف هو أنّه هو الصانع الأول لكل ذلك ويوقن بهذا كل المُحيطين به ولكنها العزة بالإثم ، و((الظلم مرتعه وخيم )).

تنتاب الثوار والثائرات الهواجس والمخاوف ولكن دوماً ينبغي أن لا نستسلم لمخاوفنا ولا لهواجسنا حتى لا تُعرقل تحقيق أحلامنا المشروعة وتمنياتنا الطموحة ، لكن غير غافلين عن أخذ أهبتنا واحتياطاتنا لكل المفاجئات ، متوقعين الأحسن والأسواء في آن معاً، لقد نجحت الثورة اليمنية الشبابية السلمية بمكوناتها الأربعة( الثوار والثائرات المعتصمين في الساحات والميادين ، أحزاب اللقاء المشترك ، رجال القبائل ، رجال الجيش والأمن المنظمين للثورة) إلى جانب طابور طويل آخر من الوطنيين الشرفاء ، في صناعة لحظة الترحيل لزعيم النظام المطلوب إسقاطه ؛ وإنّ تلك المكونات مجتمعة قادرة على تحقيق بقية أهداف الثورة الجديدة المجيدة ثورة 11 فبراير وبالاستفادة من المبادرة الخليجية و آليتها التنفيذية والتي راوغ علي صالح في التوقيع عليها طيلة الأشهر الستة المنصرمة ليقينه أنّ توقيعه يعني رحيله ، ولما استنفذ أوراقه وأيقن ان الخيار الأخير لديه بتفجير الوضع لا يضمن له و لأبنائه وأبناء أخيه وجلاوزته سوى مصير مُشابه لمصير القذافي وبنيه في نهاية المطاف فضّل أن يقبل الترحيل ناجياً ببدنه فاراً بما نهب من أموال الشعب ، وهذا الترحيل هو الأهم والقطاف الأهم في هذه المرحلة المفصلية من عمر الثورة اليمنية المتصاعدة ، نعم لقد أجرم (الصالح) بحق الثورة أيما إجرام ، إجرام لا يُغتفر، ولكن المهم الآن هو انّه قد رحل وبرحيله وبموجب المبادرة الخليجية المُصدق عليها من مجلس الأمن الدولي تم وضع حد لإزهاق أرواح الثوار والثائرات ، ودم الواحد منهم و الواحدة منهنّ هو اشرف وأغلى من أن تزهق وتراق لإزهاق روح وأرواح المولى جل جلاله اخبر بنجسها وعفنها وهو عليها أقدر وبها أبصر ومنها منتقم فالباري يمهل ولا يُهمل .


 إنّ ما سلف من إجرام فـ (( عند الله تجتمع الخصوم )) و(( بشّر القاتل بالقتل ولو بعد حين)) وسنجد القهر يذبح هذا الطاغية و جلاوزته في كل صباح يفركون أعينهم فيه فيجدون أنفسهم خارج السلطة الفعلية التي طالما حلموا وعملوا لتأبيدها في أيديهم الملوثة العابثة بمقدرات وطن الإيمان والحكمة وأخيراً السافحة لدماء اطهر وأنقى بني الوطن ولكنها دماء تنتصر وهي ثمن للحرية والعزة القعساء والإنعتاق من ربقة هذا النظام العائلي البغيض ، وللشهداء عند الله المنازل العالية في الجنة فقد أستشهدوا وهم يرفعون كلمة الحق في وجه السلطان الجائر، استشهدوا دون مال الوطن وعرضه وقد تعرض له شُذاذ الآفاق بالنهب والسلب والإهانة ، لم تذهب دمائهم هدراً ولن تذهب ، لقد غسلوا بدمائهم عن وجه الوطن المُفدى عار التسلط والاستخذاء للطغيان و شقوا بجثامينهم للوطن وبنيه وللمبدأ الرفيع الذي ضحوا من اجله طريقاً سالكاً نحو المستقبل الأفضل ، و من واجبات مكونات الثورة أن تحافظ على هذا المكسب الوطني الممهور بالدم الغالي والعرق والجهد الثوري النبيل وان تبني عليه وتستوعب كل الممكن لتحقيق كامل أهداف الثورة اليمنية الشبابية الشعبية المستمرة المستمسكة بساحاتها وميادينها وهدفها الأصلي الذي قامت من أجله متوكلة على الله ((وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )) الأنفال61.

 ألا يسعنا ونحن شعب الإيمان والحكمة ما وسع النبي الأمين صلى الله عليه وسلم وصحابته الميامين فرسان النهار رُهبان الليل ، ألا نستجب لله إذا دعانا لما يُحيينا ؟!!

 إنّ علينا الاستمساك بكل ذلك حتى يعود للشعب حقه في السلطة والثروة يضعها باختياره الحر والمُباشر أمانة في يد من يختار عبر الانتخابات الحرة والنزيهة التي طالما دغدغ بمظاهرها النظام الداخل والخارج وهو غير مُدرك انه يفعل ذلك مفضوحاً مكشوفاً وهاهو زعيمه اليوم يتباكى على ذلك الخيار الذي أشبعه طعناً في الظهر دون ان تطرف له عين فكان لابد مما ليس منه بد ثورة شعبية ترغمه على الرحيل غير مأسوفاً عليه ليصبح لليمن نظامه الديمقراطي البرلماني الحقيقي فيتعافى من جراحه الوطن شماله والجنوب محافظاً على وحدته و وهجه الثوري ويصنع مستقبله المُشرق ويُحقق آماله المؤجلة.

mraham70@gmail.com

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص