التخصص الصحفي .. هل أصبح اليوم ضرورة ؟

يعتقد الكثير أنه إذا درس الصحافة عموماً فقد صار صحافياً يُشار إليه بالبنان، وربما جمح به الخيال بعيداً وأظهر نفسه كما يريده خياله الجامح أو كما يتمناه حلمه السابح كما هو حالنا اليوم، وربما ظن في نفسه أنه أصاب شيئاً من علمها الغزير، والحقيقة الساطعة أنه لم ينَل من بحرها إلا كما ينال الإصبع إذا غُمس في اليَم، فقد كان الإعلام فيما مضى بمعلوماته اليسيرة ومعارفه المحدودة يواكب ويحاكي ذلك الزمن الذي كان فيه المستوى الثقافي والحضاري للأمم في معارجه الأولى، إذ لم يكن فيه التخصص مطلوباً مع صعوده درجات النمو تدريجياً، أما في يومنا الحاضر فقد تغير الحال كثيراً، فمصادر المعلومات اتسعت بل وتفجرت بما أطلق عليه اصطلاحاً عصر الانفجار المعلوماتي، وسارت قافلة الحضارة قُدماً وخطت في سعيها خطوات واسعة بكل المقاييس ومن بينها علوم الإعلام والاتصال، ما جعل التخصص ضرورة ملحة يتطلبها الوقت الحاضر، يقول د. السيد أحمد مصطفى في كتابه الإعلام المتخصص: " وبدون شك فإن هذا التطور الهائل في وسائل الإعلام بتقنياتها وشبكات الاتصال المختلفة يُعزى اليوم للتقدم العلمي خلال عدة ثورات ثقافية ومعرفية نقلت الإنسان عبر سلّم الزمن إلى ما هو عليه الآن، ولاشك أن الإعلام واتصال الحضارات كان السبب الكامن في نشر المعرفة شرقاً وغرباً".

يبدو أن ما قيل سابقاً يطرح سؤالاً عن ماهية الإعلام المتخصص، فالإعلام المتخصص كما عرفه الإعلاميون أنه" نمط إعلامي معلوماتي يتم عبر وسائل الإعلام المختلفة، ويعطي جل اهتمامه لمجال معين من مجالات المعرفة، ويتوجه إلى جمهور عام أو خاص مستخدماً مختلف فنون الإعلام من كلمات وصور ورسوم وألوان وموسيقى ومؤثرات فنية أخرى، ويقوم معتمداً على المعلومات والحقائق والأفكار المتخصصة التي يتم عرضها بطريقة موضوعية".

لقد تكشّفت اليوم إحدى أهم السلبيات التي أعاقت حصول التنمية في مجتمعاتنا العربية المسلمة ومنها أنه لم يتم تفعيل الإعلام ليطال كل التخصصات، فالشخص يرغب على الدوام في الاطلاع على ما يقترب من تخصصه وعمله لينال الاستفادة القصوى ويتعرف على المستجد في مجال تخصصه، ولأجل ذلك برزت الضرورة  التي تدعو إلى إعلام متخصص.

وفي حال ما إذا توثقت هذه التجربة فإن الإعلام المتخصص سيسهم في الارتقاء بمجال الإعلام كثيراً؛ إذ يقول د. السيد أحمد مصطفى في كتابه المذكور آنفاً:" هذا النمط من التفكير فتح باب الإعلام على مصراعيه للتعامل مع كل التخصصات لتتسع قاعدته، وتتنوع أشكاله، فيقدم من المواد ما يُشبع رغبة كل فرد في أي المجالات شاء، ... فاستفاد الإعلام من العلوم الأخرى فظهر الإعلام الاقتصادي والإعلام السياسي، والإعلام الديني، والإعلام الاجتماعي، والإعلام البيئي، والإعلام السياحي، والإعلام الزراعي، والإعلام الرياضي والإعلام العلمي، وغيرها من التخصصات الأخرى، وصار الإعلاميون يجمعون في دراساتهم بين فنون الإعلام المختلفة وتخصصات أخرى، وصار المتخصصون في مجالات علمية مختلفة يفِدون إلى ساحات الإعلام دارسين لفنونه وحرفياته ليجمعوا بين فنون وعلوم الإعلام وتخصصاتهم الأخرى، فظهر تبعاً لذلك الصحفي السياسي، والصحفي الرياضي، والإعلامي الاقتصادي، ورجل الإعلام الديني".

هكذا نستطيع أن نقول باطمئنان أن التخصص الإعلامي أصبح اليوم ضرورة ملحة، وأن ثمة فجوة بيننا وبين الإعلام المتخصص في عدة مجالات، فهل سيأتي اليوم الذي نرى فيه هذه التخصصات الهامة تُدرّس باستفاضة في كليات وأقسام الإعلام بجامعاتنا ؟! نأمل ذلك.

بقلم : أحمد عمر باحمادي

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص