تشهد حضرموت في هذه الفترة حالة من التجاذبات والصراعات بين أطراف متعددة تتنازع النفوذ والمواقف، في مشهد مثقل بالخطورة، قد يفتح - إن تُرك دون وعي - أبوابًا لا تُحمد عقباها. وفي الوقت ذاته تقف الدولة المركزية والحكومة موقف المتفرج، وكأن حضرموت ليست إحدى أهم ركائز الأمن والاستقرار في اليمن.
وعلى الرغم من تلك التوترات المتصاعدة، ما يزال أهل حضرموت ثابتين على نهجهم التاريخي المعروف، فهم أهل سلم ومدنية واحترام للقانون، يرفضون أي سلوك ميليشياوي أو محاولات فرض الأمر الواقع بالقوة. وبرغم ضعف الخدمات وتراجع الأداء الإداري والخدمي، يظل المواطن الحضرمي متمسكًا بالهدوء والنظام، مؤمنًا بأن الدولة هي الإطار الوحيد الذي يحتضن الجميع، لا لغة السلاح ولا الفوضى.
وتأتي هذه التجاذبات في الوقت الذي يحيي فيه اليمنيون ذكرى الثلاثين من نوفمبر، يوم الجلاء من الاستعمار البريطاني، وهي ذكرى خالدة دفعت فيها الأجيال السابقة أثمانًا غالية من دمائها وجهدها من أجل السيادة والحرية. وما أحوجنا اليوم إلى استلهام الدروس من تلك المناسبة العظيمة، فالتاريخ يثبت أن الانقسامات والصراعات لم تجلب سوى الدمار والتخلف، وأن وحدة الصف والتماسك الوطني هما اللذان مهّدا للاستقلال الناجز. ومن الوفاء لتضحيات الشهداء والمناضلين أن نرفض أي دعوات لجر حضرموت إلى الاقتتال أو إراقة الدماء المحرمة، وأن ندرك أن الصراعات الداخلية ليست سوى خدمة مجانية لأعداء الأمن والاستقرار.
إن ما تشهده الساحة اليوم يؤكد أن طريق القوة واستعراض السلاح لن يحقق لأي طرف مكسبًا حقيقيًا، بل سيزيد المشهد تعقيدًا، وسيجر المحافظة إلى واقع مرير لا يريد أحد أن يراه. وحده الحوار هو السبيل الأمثل لحل الخلافات وتجاوز الأزمات، وهو واجب وطني وأخلاقي على جميع القوى السياسية والمجتمعية والوجهاء والنخب العقلانية في حضرموت.
حضرموت اليوم أمانة في أعناق أبنائها وعقلائها، وواجب المرحلة يحتم العمل على جمع الكلمة بدل تمزيقها، وتهدئة النفوس بدل إشعال الفتن، وتقريب وجهات النظر بدل صناعة الخصومات. فهذه المحافظة أكبر من الحسابات الصغيرة، وأسمى من أن تكون ساحة للصراع أو ميدانًا لتصفية الحسابات.
وفي ذكرى الاستقلال المجيد، نقول بصوت واحد: لن نسمح بأن يتكرر تاريخ الألم على أرض حضرموت، ولن نتركها تنزلق نحو الفوضى والدم. وفاءً للشهداء، وحفاظًا على سلمية أهلها ومدنيتهم، وحرصًا على مستقبل أبنائها، يجب على الجميع العمل بصدق وإخلاص لتجنيب المحافظة أي صراع مسلح، والسعي نحو ترسيخ دولة المؤسسات والقانون التي يتطلع إليها كل حضرمي.

