أخلاقنا وأخلاقهم !!

كثيراً ما يدّعي البعض منا أن الأجانب أسمى أخلاقاً من المسلمين، وأن الأمانة عندهم شيء مقدس، وقد ارتقوا في أخلاقهم وعلوا كبيراً، بينما تدهورت أخلاق المسلمين وغاب فيهم الخير والمعروف وعتوا عتواً كبيراً، وقد يسوق البعض في مضمار حديثه وزعمه ذلكم الكم الكبير من القصص والأحداث التي تدلل على صدق ما يقول، ولا أدري هل حقاً هم كذلك أم أننا نحن من يزينهم ويختار من بين صفاتهم الكثيرة وفيها من السوء والحسن مالا يمكن حصره أو عده، فيذكرون بائع الجرائد الذي يترك الجرائد على الرصيف ويعرضها على قارعة الطريق دون رقيب، ومن أراد من الناس عدداً منها أخذه فوضع النقود في مكان مخصص بجانبها، ولو كان الأمر فينا لذهبت الصحف والنقود وضاع كل شيء، ويذكرون كذلك مسئول الرواتب الشهرية الذي يضع كل راتب في مظروف معين ويكتب عليه اسم كل موظف ثم يضعها جميعاً مرتبة في رف محدد، فيأتي كل موظف منهم ليأخذ راتبه في المظروف الذي سُجل عليه اسمه دون أن يمس المظاريف الأخرى، وأن الأمر لو كان عندنا لاختفت المظاريف والرواتب قبل أن يستلمها الموظفون ولقُيّدت الحادثة ضد مجهول.

يحار المرء إزاء كل ذلك ويتساءل هل حقاً أصبحنا نحن في الحضيض من أخلاقنا، وهل بالفعل صارت أمانتنا أثراً بعد عين، أم أننا ونظراً لعقدة النقص فينا والهزيمة النفسية والإحساس بتفوق الآخر في كل شيء، من يحرص دائماً على الإشادة بأخلاق الآخرين وتزيينهم والرفع من شأنهم وإظهارهم كأنهم ملائكة مطهرين، بينما نحن شياطين رجيمة، قد غابت بين أظهرنا أخلاق المسلمين الأوائل وبتنا كأننا في غابة موحشة يأكل القويُّ منا الضعيف دون رحمة أو شفقة؟!.

أيها السادة إن من تمدحونهم صباح مساء قد انسلخوا من أديانهم وفسُدت عقائدهم ومبادئهم فلم يعد يحكمهم من شيء سوى الضمير، وضمائرهم لو تعلمون قد ماتت منذ زمن، وتحجرت يوم أن غرقوا في أوحال المادية المقيتة وأصبح قيمة المرء فيهم ما يملك أي قيمة المرء بما يملك من الدولار، لا يسأل الابن عن والديه بعد الكبر إلا لماماً، وإن فعل ورق قلبه؛ بعث ببطاقة تهنئة وباقة ورد رخيصة بمناسبة عيد الأم إلى حيث تقبع أمه في ملاجئ المسنين ودور العجزة، لا تستغربوا أيها المادحون المعجَبون إن قيل لكم إن بلادهم تعج بأنواع الجرائم المنكرة، والأفعال المقيتة ففيهم اللصوص والمرتشين والغشاشين والجواسيس والخونة، ألم تسمعوا بإعلان إفلاس كثير من متاجرهم وخسارتها جراء انقطاع التيار الكهربائي لدقائق معدودة فعل الناس خلالها في الظلمة الأفاعيل، فيهم المافيات والعصابات التي تخصصت في كل شيء بدءاً من السرقات العادية وحتى المتاجرة بالبشر وبالأعضاء البشرية والمخدرات والمسكرات والسلاح والحروب والقتل بالوكالة، ولا تنسوا أن من بينهم السياسيين الشرفاء! الذين ما برحوا إلى اليوم ينكلون بعيشنا، ويدمرون حياتنا، ويسرقون ثرواتنا ويخططون لتفريقنا وإيقاع الهوان والضعف بنا، وينشرون فوضاهم الخلاقة ليعيثوا الفساد في كل شيء. هؤلاء هم من نحرص على مدحهم والإشادة بهم والإعلاء من شأنهم فيما بيننا، ونرى فيهم المثل الأعلى والقدوة الحسنة التي يجب أن يحتذيها الآخرون، فهل يوجد من أشد منا سذاجة، وهل رأيتم أبله منا وأغبى في إعطاء الأحكام، وهل تتوقعون أن نجد من الناس من هو أشد انحطاطاً في الفهم إن كان ذالكم هو اعتقادنا عنهم.

إن علينا ألا نكون مندفعين على الدوام بالإشادة بأخلاق الأجانب، والرفع من شانهم بما لا يستحقون؛ مع تسليمنا بالطبع أن فيهم من ذوي الفضل والمعروف، وأن بلادهم لا تخلوا من المنصفين المدافعين عن حقوق الإنسان المنافحين عن المظلومين في الأرض، لكنهم قليل. كيف ننسى في غمرة تعلقنا وإعجابنا بالأجانب ما نمتلكه نحن المسلمين من رصيد عظيم من الأخلاق والسجايا الحميدة، وأن تمسكنا بديننا والاعتصام بكتاب ربنا وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم يجعلنا من الرواد في الأخلاق على البشرية أجمع، وأن ما نعانيه اليوم من انحطاط وذلة ما هو إلا نتيجة لبعدنا عن النبع الصافي والواحة الوارفة التي يمثلها ديننا الحنيف؛ دين الأخلاق العالية والسجايا الرفيعة، فمتى ما عدنا إليه عوداً صادقاً عادت إلينا كنوز أخلاقنا المفقودة، أما الغرب والأجانب فلن نجد فيهم الخلق الرفيع السامي إلا إذا سلكوا الطريق الذي سلكناه، طريق الإسلام دين الأخلاق والأمن والسلام.

بقلم : أحمد عمر باحمادي  

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص