مدخن السيجارة ومخزن القات يتفقان في بعض الصفات !!

نعلم جميعاً أن عادة التدخين كانت إلى وقت قريب { أي قبل عشرين عاماً وأكثر } جزء ٌ - لابأس به – من ثقافة المجتمع الحضرمي بل يعدها البعض مكملة للرجولة مثلها و المضغة ( الشمة ) لاسيما داخل المناطق التي تطغى عليها ثقافة البداوة والريف ، وللأسف نجد الأخيرة بدأت تنتشر بين أوساط شبابنا وطلابنا اليوم ووصل بعضهم أن يستخدمها داخل المدرسة بل ويتجرأ البعض الآخر بأن يدخل الصف وهي بفمه ، وفي اعتقادي أن انتشارها يرجع إلى الأسباب التالية :1- ضعف دور الأسرة ورقابتها 2- وضعها تحت الشفاه ربما لا يظهر أمام الآخرين 3- تأثر شبابنا بشباب المناطق البدوية والريفية ( الذين سكنوا المدن ) والذين تعتبر الشمة جزءاً من ثقافة مجتمعهم.
ومعلوم أيضاً أن دول العالم تتسابق بقرارات منع التدخين بالأماكن العامة وهذه صفة حضارية ، وبما أن التدخين عادة سيئة قبل أن تكون غير حضارية .. وطالما أنها تضر حتى من كان جالساً أثناء التدخين وهذا ما يسمونه أهل الاختصاص ( بالتدخين السلبي ) .. ومع أن التدخين ممنوعاً قانونا داخل مكاتب العمل ، إلاّ أنه للأسف تجد بعض ألناس ومنهم موظفي الدولة أو حتى مسئوليها يدخنون داخل مكاتبهم دون حياء ، وعدم تقدير مشاعر الآخرين ، واستخفافاً بقوانين الدولة وهيبتها حتى من قبل موظفيها!.
ولا شك أن التدخين له تأثير على صحة المدخن نفسه ، وكما يخلق التدخين أيضاً داخل الأماكن العامة ( التدخين السلبي ) ، الذي لا تقل خطورته عن التدخين المباشر – هذا ما أكده المختصون – ولعل أكثر الناس تضرراً بالتدخين السلبي هم الأبناء كونهم أكثر معاشرة وملازمة لآبائهم المدخنين ، ويحكي لي أحد الأصدقاء : بان شخصاً يقوم برعاية أغنامه بنفسه ويقدم لهن الأكل يومياً ويجلس بجانبهن لساعات يومياً وهو يدخن السيجارة ، ومع مرور الزمن أصبحت إحدى أغنامه مدمنة بالتدخين السلبي ومن ضحاياه، وعندما ذبحوها وجدوا بان لون رئتها قد تغير وتلوثت نتيجة تأثرها بالتدخين السلبي !! .
واليوم والحمد لله قد تغيرت مفاهيم الناس داخل مجتمعنا الحضرمي حول التدخين،حيث أمتنع الكثير من الناس عن هذه العادة السيئة ، وأصبح المدخن لا يدخن السيجارة داخل مجالس الناس لأنهم أصبحوا لا يطيقونه، الأمر الذي جعل المدخنين ينسحبون من تلك المجالس ليدخنوا خارجها ثم يعودون ثانية إليها ، بل وامتنع معظم أصحاب المحال التجارية والدكاكين والأكشاك بولدي حضرموت عن بيعها ، تلبية لهذه المفاهيم المرتبطة بتعاليم ونواهي ديننا الإسلامي الحنيف .
والعكس تماماً بالماضي ، حين نجد المدخن يدخن سيجارته داخل المجالس وتوفر له وعاء نفايا السيجارة " الطفاية " التي لا يخلو منها أي بيت وكأنها جزءٌ لا يتجزأ من " عدة الشاي الحضرمية " .
ومع استجابة الناس لهذه المفاهيم ، إلاّ أن هناك أناساً بقوا مصرين على ثقافتهم القديمة{وهم بلا أدنى شك أقلة وخارجين عن عادات المجتمع الحضرمي اليوم}، ويحكي لي من أعرفه أنه دُعي لتفطير برمضان الماضي وتفاجأ برجال كنا نعدهم من المثقفين الواعيين ومن كوادر البلد، حين نزلت بهم عادة التدخين إلى الحضيض عندما أشعلوا سيجاراتهم بمجلس الحضور دون مبالاة واحترامٍ لمشاعر الآخرين والذوق العام ، وكأنهم في ليلة " كرسمس" وليس بليالي رمضان الكريم !! وطلبوا دون حياء الطفايات من أقربائهم ( أهل البيت ) الأمر الذي جعل الحضور يفتحون النوافذ رغم أن الغرفة مكيفة " بالفريون " .
والأدهى من هذه الكارثة الأخلاقية ، حين تجد التربويين - أصحاب المهن الشريفة – لا يحافظون على قدوتهم عندما تجدهم يدخنون السيجارة داخل مدارسهم وأمام طلابهم سواءً داخل مكاتبهم أو بممراتها أو بفناء المدرسة .. ما هكذا تورد الإبل يا أحفاد التربية الحضرمية !! .. لقد ضيعتم أمانة الأجداد !!.
إن عدم مبالاة مدخن السيجارة بالآخرين – وإن كان مربياً - ، وعدم تقديره لمشاعرهم ،وعدم احترامه للآداب العامة .. كل هذا يؤكد بالقرائن والبراهين ، بأن هناك روابط وصفات مشتركة بينه وبين مخزن القات الذي هو الآخر لا يحترم أحد ولا يبالي بأي شيء حتى حقوق أهله وفلذات كبده ، بل لا تسلم منه حتى الواجبات الدينية
ولعل هذا كله يذكرنا بكلام السيد العلامة / سالم بن عبد الله بن عمر الشاطري حين التقيت به ببيته بمنطقة " خيله " بمدينة تريم في ديسمبر 2011م لأطلب منه تأييداً لبحثي عن القات بحضرموت وتقديماً للبحث، وبالفعل لبى طلبي وشاطرني الرأي وقال في تقديمه هذه العبارة الحكيمة التي تصف وتساوي بين شجرتي ( القات والدخان) حين قال :
وما أحسن ما قاله بعضهم في مقاس حديث {كلمتان: خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن ، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم }حين قال بعضهم على هذا المنوال:{شجرتان خبيثتان، وللصحة مضرتان، وللأموال مضيعتان، وللأوقات مفسدتان، وإلى الشيطان حبيبتان، وإلى الرحمن بغيضتان.. شجرة القات والدخان}، ما أروعه من وصف وتشبيه دقيق لهاتين البليتين !! .. إذن لا غرابة أن تكون هناك صفات مشتركة بين ضحايا هاتين الشجرتين .. ولك أخي القاريء ان تتصور إذا اجتمعت هاتان البليتان في شخص واحد !!.. نسال الله أن يجنب مجتمعنا الحضرمي خاصة والبلد عامة كل سوء ...

بقلم الاستاذ : سعيد جمعان بن زيلع

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص