ليعذرني بل وأستميحه عذراً أمير الشعراء أحمد شوقي لأستمدّ عنوان مقالتي هذه من خلال العبث بصدر بيته الذي يقول فيه : ( خدعوها بقولهم حسناء _ والغواني يغرهنّ الثناء )، ، ويمكن لي القول أنها مشاعر ألم أكثر منها مقالة، ذلك أن مشاعر الألم تكمن بين طياتها آهات وأهات لا يمكن للمر أن يحبسها بل يجدها بمرارة تنازعه في بعض الأحيان ليرمي بها أمام بحر البوح وإن علم في قرارة نفسه أنها ربما لن تروق للآخرين، لكن حسبه أن يرمي بآصارها عن ظهره المثقل ليستشعر شيئاً من الراحة من بعد الألم.
اقتحمنا مجال الإعلام وكلنا أمل أن نحظى بثقب صغير أو مساحة محدودة لنقدم شيئاً من رحيق أزاهير قضينا سنوات وسنوات لنجمعها، لكن لم يدرِ حينها أحد وحتى نحن لم ندرِ أن سيصير بنا الدرب لنقف قبالة جدار مغلق .. نقف أمامه باكين متأسفين على نحو بائس.
ينتابنا بعد تلك الصدمة إحساس أن الأمر برمته كان لا يستحق كل ما بذل من عناء، ويتسلل اليأس إلى النفوس من بين ثآليل القهر النابتة على جسد الأمل والطموح لتصرعه رويداً رويداً حتى تحيله كتلة عظام أرمة، لنجد أن الهمة التي كان ذات يوم تتميز بإيقاعها الهادر قد استحالت إلى الإيقاع البطيء فيستميت ويضعف حتى يخمد إلى الأبد.
بقي أن نعرف ما السبب الذي أدى إلى ذالكم الموات البائس، وتلك السكتة الإبداعية أو جلطة القهر المفاجئة، ولا ريب عندي أن الإجابة ستكون بتوجيه أصابع التهمة لمن أمعنوا على طول الخط في تدمير أجيالنا بتلقينهم علوماً تجردت من تطبيقها، وخرّجوا نكرات تائهة لا تدري أين تتلمس طريقها دون أن تدلّهم حتى لأيسر السبل ناهيك عن تسويقهم ليحظوا بثمرة جهدهم بعد طول نضال، ليصلوا في النهاية إلى لا شيء. بالتأكيد أن المتسببين لن يكلفوا أنفسهم عناء السؤال بعد خروج القطيع من الزريبة، وبالتأكيد أيضاً أنهم لن يستشعروا الإحساس بالانسحاق الذي يعانيه معظمهم، نعلم أن العذر جاهز، والذريعة مُشهرة ( لم يكن بالمقدور أن نفعل لكم أي شي ).
إذا كان لم يكُ بالمقدور أن تفعلوا لنا شيئاً فكيف استطعتم أن تؤمّنوا لأبنائكم وأقاربكم وأصحابكم سبل الأمان، وأوصلتموهم إلى شواطئ الوظيفة رغم الصعاب والعراقيل التي تزعمونها، بل وربما حظوا بالريادة والتقديم على أجيال وطوابير طويييييلة قد تعفنت من طول الانتظار وهم يعلمون بما يحدث من فساد ومحسوبية لكنهم لا يملكون إلا أن يستقبلوه بأنفس مكلومة لا تقوى على الاعتراض لحفظ كرامتها وخشية الانتقام.
يا أصحاب الكراسي! ... لا لن أناديكم مباشرة فأنتم لا تستحقون حتى ( يا ) المنادى، فلو كانت هناك ( يا ) لموتى الضمائر لناديتكم بها لكنها لا توجد، أقول لكم : هل ثمة شيء آخر لم تفعلوه لتفعلوه ولتنقضّوا على ما تبقى فينا من أمل ؟!.
وختاماً لمآسينا : فالمرء لا يستطيع أن يخبئ أساه، أو أن يكتم شعوره بالحزن والألم وإلا كان نتيجة كبته أن يصبح وليمة لنسور الجنون الذي لا يرحم.
بقلم : أحمد عمر باحمادي