لمن ستقرع الأجراس قريباً، ومن سيسمعها ؟!، من سينصتُ إليها حين تدوّي ؟!، أعتقد أنه لن يصغي إليها أحد، فالكل منهمك في شئونه وظنونه وخيالاته، والسرطان الخبيث قادم لا محالة يشق حُجُب اليأس ويسحرنا بخرافات الأمل.
المستقبل المنير الذي يعِدوننا به لن نلبث أن نلفاه شيئاً من أحلام الماضي، ونستطيع أن نتصور حينئذ مقدار القنوط الذي ستنهال علينا مطارقه الثقيلة حتى نبكي على زمن فائت ظننا في يوم من الأيام أنه لن يكون أسوأ من غيره بعد أن بكينا منه.
أحداث مريرة وشخصيات كرتونية كبيرة هوت إلى الحضيض بعد أن كنا نظن فيها المنقذ الوحيد ، أو الرجل السوبر الذي ينتشلنا مما نحن فيه، لكننا كنا مخطئين، ودفعنا وسندفع أيضاً ثمن طيبتنا المفرطة وظنوننا الحسنة. كل تلك الصدمات القاسية شكلت منعطفاً حاسماً لما يجب أن تكون عليه أنفسنا الساذجة التي تصدّق كل شيء، وتعجب بكل ناعق تقطر بين أنيابه حبّات العسل، والتي لم تكُ في الحقيقة سوى لعاب غليظ نجس لكلب مسعور ينتظر أوان الانقضاض على فريسته الواهنة ليمزقها إرباً إرباً.
أجدني أتذكر جيداً تلكم الصعوبات والمشاكل التي نالتنا يوم الانتخابات أو بالأصح يوم الاستفتاء الفظيع، لقد انبرينا في ذلك اليوم نكافح بكل قوة وعنفوان وتحدي وسط موج هائج مائج من المعارضة التي أبداها إخواننا في الجنوب المظلوم، لكننا كنا نظن أننا نَقْدُمُ على عمل جليل ونقدّم شيئاً من أجلهم، ونقول في أنفسنا ما كان قد ردده رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما كان يؤذى في مكة والطائف :" اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".
لقد أخذت العهد على نفسي أنني لن أرتضي المشاركة مهما يكن الحال في مهازل أخرى قادمة وما أكثر المهازل القادمة، ولن يُلدغ المؤمن من جحر مرتين، لا .. لن نُخدع مرة أخرى ..
ضلّت سبيل الندى يا ابن السبيل فسِرْ - - - - - لغير قصدٍ فما يهديك من هادي
أحداث قاتمة وآهات حرّى ودموع ساخنة كانت ولم تزَل جاثمة على النفس، لكن ما الفائدة من البوح بها أو ببعضها الآن وقد فات الأوان ؟!، بل ربما يأتي اليوم الذي سنحاسب فيه على ما نقول؛ لست أعني يوم القيامة، فهو يوم عدل عظيم سيفرح المظلوم حينما يقتص من ظالمه، لكنني أعني حين يحكم الطاغية المتجبر فيأمر بفتح الملفات وتصفية الحسابات :
عندي رسائل شوق لستُ أذكرها - - - - - لولا ( الرقيب ) لقد بلغتها فاك
سريعاً ما فجعتنا الحقيقة بالوهم الذي كنا نغرق في تلافيفه الحالمة، ونبحر في تياراته الخادعة، تيارات هادئة منسابة لم نحسس أنها كانت تسحبنا رويداً رويداً إلى هاوية الموت وأعماق الهلاك، وقد كنا نظن أننا نستمتع بها سابحين، حتى صحونا مذعورين مفزوعين مصعوقين على أجراس الخطر الأولى فلم نفعل إزاءها شيئاً، وهكذا جرى الحال حينئذٍ بكل أسف.
فهل تُرانا سنفعل شيئاً إذا دُقت أجراس الخطر القادم الجديد؟!، بالنسبة إلى توقعاتي ـ وإن كانت سوداوية بعض الشيء ـ فإن الأمر سيبدو كما لو أن التجربة الأولى ستتكرر مجدداً. اعذروني فلن أستطيع أن أتفاءل أو أن أثق بالقادم المخوف.
بقلم : أحمد عمر باحمادي