أبناء غيل باوزير .. رجال الشهامة وفرسان الإرادة ..

هنا أقف وقفة إجلال وإكبار لأقول مغرداً : سلاماً لمدينة العدل والنماء، سلاماً لمديرية العلم والعلماء والشرفاء والحكماء، سلاماً لمن وقف في وجه العنف ولم يَخشَ إلا الله، سلاماً لأبناء أبرارٍ أغلقوا سبل التعاطي والترحاب لمن زحفوا لربوعنا، ليتهم جاءوا ضيوفاً لأكرمناهم مثلما يفعل الكرماء، لكنهم جاءوا ينشرون الرعب والخراب في بلادٍ طالما تفجّرت في أفيائها ينابيع السلام كما تفجّرت فيها عيون العلم والمعاهد والمدارس والمساجد والأربطة والمعلامات، وانبثق من بين ضلوعها الخير على الناس أجمعين؛ وليس بقليل على غيل باوزير أن تكون مكانتها في النفوس كذلك.

غيل باوزير لا تلين لمن اغتصب حبها كُرهاً، ولمن نصّب من نفسه ولياً عليها على الرغم منها، هي لا ترضى بمن يتلاعب بالعقول والأفئدة ويبسُم في الوجوه غشاً وخداعاً وهو في الخفاء ذئبٌ عملّس، ويدعي الوصاية على الحق ويحتكر الهداية والرشاد على نفسه وأمثاله، ثم هو يقول ما لا يفعل، يدّعي نصرة المظلوم ثم يسطو على حقه ورزقه، يدّعي نصرة الشرع ثم يتعدى حدوده وينتهك حرماته، يدّعي حفظ النفوس وحمايتها والذود عنها من الغزاة البرابرة ثم نراه يسحق الأرواح ويريق الدماء وينشر العويل، فاسألوني عن الأيتام والثكالى، عن سؤال الصغار أين آباؤهم، عن حسرة الآباء وبكاء الزوجات وأنين الأمهات شوقاً لفلذات أكبادهن التي غابت في لحظة حرّى مثلما تغيب الشمس مخلفة حُمرة الشفق وأجيج الذكريات.

جئتم إلى ديارنا فبدلاً عن أن تملأوا مآقيكم بدموع التوبة والإنابة عما سفكتموه من دم العلماء والمصلحين، لكنكم ملأتم مرافقنا بالسلاح والمتفجرات بين بيوت الناس لتغدو ساحاتنا قنبلة موقوتة تتفجر في أي وقت حينما يُنزَع فتيلها، فإن رفعتم ثقيلها وأبعدتموه فستظلون أنتم القنابل الموقوتة الأشد خطراً والأدهى أثراً، جئتم إلينا فبدلاً من أن تعترفوا بجرائمكم حتى يصفح الله ثم الناس عنكم لكنكم فرضتم وجودكم وفكركم بالقوة واغتصبتم الأرض دون رضا الناس.

أسألكم بالله سؤالاً ولستم مجبرين على أن تعلنوا الإجابة على الملأ : هل تعتقدون أن الناس ـ مهمها اعتقدتم بصواب طريقكم وصحة مزاعمكم ـ ينسون المآسي التي كانت في زنجبار، والخراب الذي شاع في عزّان، هل نسي الشعب تلك النكبات التي حدثت في أبين ؟!، والخراب والكوارث التي تركتموها وراءكم كما يترك الريح أو الإعصار الأرض الصالحة المعمورة بعد أن يأتي على ما فيها ليحيلها أرضاً يباباً وقاعاً صفصفاً ؟!! ستقولون إن طيران أمريكا والطغاة وجيوشهم فعلوا ذلك .. لكننا إن سلّمنا بما تقولون فمن السبب في ذلك ؟؟، ومن أعطى لهم الذريعة ليدمروا كل شيء ؟؟. هل تظنون أن الناس ستنسى أو حتى تتناسى تلكم الصور المأساوية مهما حرصتم على التحبب إليهم وإظهار الود والرحمة بهم وبيان أفكاركم وآرائكم ووجهة نظركم لهم ؟!.

دعوني أقف معكم أيها الإخوة الأفاضل وقفة بسيطة هيّنة، وقفة ليس فيها شيء من التفلسف أو التقعر، فلستُ إلا شاباً بسيطاً ليس لديه ما يبكي عليه، أو يتحسر على فائت من الدنيا بعد أن فقدنا مستقبلنا وضاع منّا كل شيء جميل في هذا الوطن، لماذا لم يرحب أهالي غيل باوزير في مساجدهم أو ساحاتهم بمن يسمون أنفسهم " أبناء حضرموت " ؟!، ولماذا لا يستمعون إليهم أو ينصتون لطرحهم .. وإن حدث وقام أحدهم ليلقي كلمة في مسجد من مساجدها تركه الناس وانصرفوا لا يلوون على شيء ؟!، الإجابة أيها الأكارم أن أهالي غير باوزير لم يجفّ دمهم بعد، ولم تهدأ ثائرة نفوسهم حتى الآن، ولم تكفّ مآقيهم عن البكاء حزناً وكمداً على علم من أعلامهم، وسراجاً منيراً كم أضاء نواحي بلدتهم، نشر الحب والعطاء، نشر الخير على الجميع، سادت في حياته أعلام الطمأنينة على الناس بعد أن بين لهم الحق، ودلّهم على الطريق، وأخذ بأيديهم إلى درب الحقيقة باعداً إياهم عن الزيغ والضلال.

إنهم لن ينسوا شيخهم الفاضل وعالمهم المبجّل على سالم باوزير، ذالكم الشهيد المظلوم، المقتول ظلماً وغدراً، إنهم لن ينسوا ضباطهم الأحرار مهما رأيتم فيهم رأيكم، لأن لهم أبناءً وأطفالاً وآباءً وأمهات وأحباباً وأصدقاء بكوا لثكلهم كما يبكي العاشق المكلوم، فقدوا بفقدهم الأمل ولذة العيش فما أرخص الدم بعد أن أهريق الدم الغالي على النفوس، وما أضيع الأمل بعد غيابهم، كما الشاعر حينما قال:

وليست حياة المرء إلا أمانياً ** إذا هي ضاعت فالحياة على الأثر

لقد عزف أبناء غيل باوزير رغم استطاعتهم عن الخوض في الصراعات أو اللجوء للقوة والعنف، إيثاراً للأنفس التي كرّمها الله جلّ وعلا، وحفظاً للدماء والأرواح، ورفعوا ملف القضية إلى ربّ الأرض والسماء فامتدت الأيدي بالدعاء وارتفعت عقيرتهم وضجوا بـ " حسبنا الله ونعم الوكيل "، فيا أيها الدخلاء وإن كان من بينكم من هم من أبناء هذه البقعة الطيبة، كيف ستواجهون هذه الكلمة العظيمة إذا ارتجّت بقوتها وهديرها ورهبتها نواحي فضاءاتنا، ومن لكم إذا وقفتم غداً بين يدي الجبار عزّ وجلّ وخاصمكم هؤلاء الناس الضعفاء الأبرياء.

وبدون أية كلمة تفاخر أو عُجب أو استعلاء نحب أن نؤكد للجميع كافة أن أبناء الغيل كانوا ولا يزالون وسيظلون هم الأقدر على حماية أرضهم وعرضهم إذا ما جاء الروافض إلى أرضنا، أو وطأت أرجل الحوثيين ذرة من ترابه الطاهر، وهم أولى الناس بفعل ذلك، فإن تحجج الآخرون بأنهم يرومون حمايتهم من الخطر الداهم القادم فنقول لهم: شكر الله سعيكم، وأثابكم عن نيتكم إذا صدقت وأخلصت لله، لكن نحب أن تعلموا أن نساء الغيل لم تعقم بعد، وغيل باوزير كما سطر التاريخ وشهد الزمن منذ مجدها السالف لم تزَل ولّادة للرجال الشجعان الذين لا يخافون في الله لومة لائم، وهم يتوقون للموت والشهادة في سبيل الله، فما أحراكم ـ إن صدقتم ـ أن تعينوهم على ذلك بدعمهم بالسلاح والذخيرة ثم تغادرون كما جئتم.

نحن نعلم كما تعلمون أن هذا الزمن قد راجت فيه الفتن، وادلهمت الخطوب، وفشت المظالم واستأسد الطغاة الضالون وتنكبوا سبل الضلال والعماية، وعمّ الهرج وزهقت الأرواح، لكن العاصم منها جميعاً والنجاة الحقّة هو من خلال الاستمساك بكتاب الله عزّ وحلّ والعض عليه بالنواجذ مع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فمن استرشد بهما فقد رشد ومن لازمهما فقد لازم خيراً كثيراً وحبلاً متيناً تكبو دونه عاديات الليالي.

أما الذين يظنون أن في استطاعة الأكاذيب والضلالات أن تعمّر طويلاً أو أن تمكث زمناً على ظهر البسيطة فقد وهموا، لأن الله عزّ وجلّ يقول في محكم كتابه العزيز : " فأما الزبد فيذهبُ جُفاءً وأما ينفع الناس فيمكث في الأرض" صدق الله العظيم.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص