صحيفة ( الريان ) .. بين ذكريات الماضي وآمال الانبعاث

يوم أمس حينما أكنت أحثّ السير في شوارع قريتي لفتت نظري قصاصة صفراء من صحيفة قديمة يقلبها الهواء كالميت بين يدي المغسل، وتعبث بها الرياح يمنة ويسرة حتى استقرت في زاوية من زوايا أحد الأزقة الضيقة قرب بيتنا، وكأنها أحسّت باقترابي فأخذت ترجوني أن أنقذها من مداعبات الرياح وقيظ الصيف، انحنيت وأخذتها بهدوء مميطاً عنها الأذى والتراب الذي علق بها، ولما نظرتُ إليها افترت شفتاي عن ابتسامة عريضة، وعادت بي الذكريات الجميلة لأتذكر صحيفة ( الريان ) الغراء وأيامها الخوالي، ونظرت أسفل ترويسة العدد من الصحيفة فيا للمفاجأة لقد كان الإصدار قبل عقد من الزمن وبالتحديد كان العدد والتاريخ المدون لهذا الإصدار هو العدد ( الثامن والعشرون ) سبتمبر 2005م أي قبل عشرة أعوام، فيا لله ما أسرع انقضاء الأيام وانصرام الأعمار.

قرأت بعضاً مما ورد في تلك الصفحة من صحيفتي المفضلة، ولقد عددتها صحيفتي المفضلة لأنها كانت بالفعل كذلك، فهي أول من رعى إبداعاتنا ورحب بمشاركاتنا ممثلة بقائدي مسيرتها الأستاذ عمر عوض باني والأستاذ وليد أحمد باعباد حفظهما الله، فكنا أنا وشباب كُثُر نجد الترحيب للنشر فيها مقالاتنا مهما كانت رديئة أو بالأصح في خطواتها الأولى، فكانوا لا يجدون غضاضة في تشجيعنا ودفعنا في طريق صاحبة الجلالة.

ما أثارني كذلك في هذه القصاصة التاريخية هو تصفحي لتضحيات الإصلاح المستمرة خاصة وأنا أقرأ موقفه من الجرعة وانسحابه من جلسة التصويت عليها آنئذٍ، فأكبرتُ في نفسي تلكم التضحيات العظيمة مهما أنكرها وتناساها البعض بأن عدوه شريكاً فيها وهو من التهم براء براءة الذئب من دم يوسف كما يُقال.

شدني كذلك ورود شكاوى المستثمرين من الفساد الذي يعيق الاستثمار في البلد من خلال سوء المعاملة للمستثمرين والإجراءات الروتينية، أيضاً كلمة الريان التي كانت بعنوان ( هذا هو الهدف وتلك هي الغاية ) وهي تتحدث عن قمع سلطة الحزب الحاكم للمظاهرات المنددة بالجرعات القاتلة وضربها المواطنين المتظاهرين بالرصاص الحي، غير مفرقة بين الأطفال والشيوخ والبالغين، في مسعى لأن تسكت أصوات التنديد والمعارضة وتدجن الشعب ليقبل في صمت بليد قرارات التجويع والفساد وهيهات فقد شبّ الشعب يومئذٍ عن الطوق ولم يعُد يهاب الظالمين.

فجر يوم الخميس بتاريخ 23 / 6 / 2005 لن ينساه أهالي سيئون حينما حدث فيه الانفجار الكبير لمخزن من مخازن الذخيرة في أحد المعسكرات بالمدينة مما روع الآمنين وأصابهم بالذعر الشديد، وأعادني للحاضر الذي لم يتغير أمسه بعد بل ازداد سوءاً ونكالاً ومآسي، إذ الأسلحة اليوم ـ كما كانت بالأمس ـ لا تزال تستخدم وهي مخزونة بين أظهر الناس رغم خطورتها للترويع والقتل وسفك الدماء وقصف البيوت الآمنة وتدمير المنشآت والبنية التحتية وتدمر كل شيء جميل في أرض اليمن كما أراد ناهبوها أن تكون كذلك.

محطات جميلة وذكريات بعضها مؤلم وبعضها يستعصي على النسيان تذكرتها وأنا أتصفح بين يدي تلك القصاصة من ( الريان )، وكم تمنيت أن تعود ( الريان ) مجدداً لتبث الوعي بين جماهير الناس وتنشر الحقيقة الغائبة المغيبة، بعد أن غابت منابر الحقيقة وأضحت ساحاتنا الثقافية والسياسية مقفرة خربة ينعق فيها بوم النفاق والتزلف وبيع الضمائر من أجل حفنة من المال أو المصلحة الذاتية الأنانية.

وهئنذا أضع هذا الاقتراح بين يدي قادتنا لتصدر الصحيفة ولو بشكل متزامن مع الأحداث الكبيرة مثلما يحصل اليوم، فإن قيل إن الناس اتجهوا لوسائل الاتصال الحديثة قلنا إن الكثير منهم لا يزال يجهلها ويفضل الجميع القراءة من الصحف وهي فرصة كبيرة لكشف كثير من الزيف والخداع والتضليل الذي يمارسه أعداء الحقيقة، وفضلاً عن ذلك فقد بات بيان الحق للناس في زمن الفتنة واجباً لا يجوز كتمانه أو السكوت عنه.

بقلم : احمد عمر باحمادي

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص