إن حقيقة الحياة الإنسانية ، ومايعتريها من منغصات والآم وجراحات ، ونكبات وهفوات .. تبقى قيمة النفس بشكل عام لها مُثُلها وقيمها ، ومكانتها السامية على سائر الأشياء المخلوقة ، وكيف تكون قيمة النفس الإنسانية والتي تعتبر جوهر النفوس قيمة ومكانة ، لذا صار الإنسان في العالم الثالث ومااعتراه من انحلال قيمي في تعامله مع الإنسان كإنسان في أدنى درجاته مع تعامل الحيوان في المجتمع الغربي ، والإنسان بصفته الدينية كمسلم يتعامل معه الغرب كحشرة غير ذا قيمة ، مع أن النفس بحد ذاتها قد أولاها الإسلام عناية خاصة واهتمام بالغ النضير وحذر من المساس بها بسوء أو أذيتها بعواقب وخيمة تؤدي بصاحبها إلى خسارة فادحة إلى عذاب النار كما في قصة الهرة المقتولة صبراً ، وإنه لمن دواعي الاستغراب والحيرة أن ديناً يرفض المساس أو الإضرار بنفس حيوان ، وقد أعلن سيجاجاً قوياً محكماً للحفاظ على نفس الإنسان من الإعتداء عليها بغير وجه حق ، ليجد من اتباعه من يلوغ في الدماء بطريقة مباشرة او غير مباشرة بأداة حادة ، أو رصاصة طائشة أو مشرط إبره ، أو خلوداً للراحة في وقت واجب يقتل بفعله واهماله نفساً بريئة صبراً تتجرع مرارة الألم ، ويقتل معها أنفساً حاضرة يعتصرها الألم وهي لا تستطيع حراكاً ، يزداد نبض قلبها وتحدق بعينيها اتجاه كل صوب لعل وعسى ان يظهر ثوباً ابيضاً وكما يسمونهم ( ملائكة رحمة !) من بعيد يعود لها هدوءها ، ويخفف لمريضها تقلبات الأوجاع ، ولكن عندما تذهب الفزعات ، وتخفي الرحمات وتبور المهمات ؟ عند ذلك تعلو الأنات إلى بارئها ولسان حالها يقول مخاطباً ذا الجلال( وإذا المؤدة سئلت بأي ذنبٍ قتلت) ، آه ثم آه لأنات الجنين ، فلذة الكبد ، من عامل في مشفاه ، غابت عنه الحكمة ، وفارقه الخلق الرصين ، وانتصر لذاته على حساب مبادئه وقيمه ، كيف بنا ، عندما يقصّر كلا، في مهمته ، ويحسن الاستعلى على من سواه ويحقق مبتغاه بنفسٍ حقيرة شرهة لامكان لشيئ عندها إلاّ للمال ، فقد انتقلنا من مجتمع الانسانية برمتها الى مجتمع الغاب بسطوته ، وإليكم هذه القصة كما وردت من مصدرها من إحدى مستشفياتنا الحكومية بالوادي.... لقد قتل الجنين صبراً... بأي ذنبٍ قتلت ، احتمل الزوج زوجته محافظاً عليها بين عينيه ، وماتحمل في أحشائها من ضيفٍ جديد في أسرتها هديةً من رب السماء ، وما أن رست في قسم الولادة .. وتمم الله الحقيقة الغائبة عن ذويها ، حتى صار المولود حقيقة حاضرة ابتهجت النفوس واستنارت الوجوه ، وبدأ الجنيين تدب فيها الحياة في بيئة جديدة ، وبعد صراعٍ مع الصراخ ، ومحاولات للرضاعة ، صرخ الطفل صراخاً أولياً ، والتقم بفمه يشرب اللبن من امه ، زاد السرور مع شيئ من التوجس ، لما شوهد من ظهور انتفاخ او ورمٍ صغير في منظره خطيرٍ في محتواه ، فأثار انتباه الأب وخوفه ، ولكن الطبيب المراقب للحالة لمن يكن على المستوى الخطر ! فهون من الأمر ، وغادر كبقية الاطباء عياداتهم ، ولكن الأمر اتسع خطره فأقلق الأب والأب معروفاً لدينا من أفضل الناس خلقاً والتزاماً ، وأفضلهم انضباطاً وأداءاً لعمله ، يعرفه الصغار قبل الكبار ، مهارته واتقانه محفورةً في ذاكرة الأجيال!
فحاول الأب أن يجد طبيباً لانقاذ ابنه لقد زاد الورم وشحب الصوت وزادة نبضات القلب نبضاً ، فأرشد للمناوب ، وكأن المستشفى لم توفق في اختيار بعض من توكل إليه المهام في الأوقات الحرجة ، من ناحية الخلق واتساع الصدر وبشاشة الوجه وتحمل المسؤلية؟ وكأنه أراد أن يزيد من ألم الأب ألماً ، طالباً منه مخاطبة الطبيب المناوب ، ولكن الأب رفض مطالباً إياه بالقيام بمهامه ، فاكتفى بكلمات من الطبيب هدأه فيها بأن الأمر لايخيف؟ وكأنه مراقب الحالة عن بعد في غرفة العناية المركزة ، وإذا بصراخ الجنين يشق الصمت وقبلها يشق قلوباً وأفئدة كانت له وعاءاً صراخاً متواصلاً ، ما أشده من ألم وما أفزعه من منظر ... ياالله ياالله ياالله ، والأب يلح بأن يرشده لمسكن الطبيب المناوب ، لكنه لم يرشده متعذراً بأنه لا يعرف مكانه ؛ فطوي الليل بساعاته والجنين يلهث والتنفس يتناقص والألم يزيد باضطراد ، وما بان نور الفجر ولاح وقت الدوام أتى الطبيب الاستشاري فرأى الحالة فقال الحالة خطرة جداً! واتى الطبيب المناوب فرأى الحالة فذهل وكمدا ، الجنين في حالة انهيار.. نزيفٌ حاد ، وتنفس في تلاشي ، ودم أريق في أحشائه ، حاولوا بالاكسجين ، بالدم ... لكن فات الأوان.... مات الجنيين صبرا ، بأي ذنبٍ قتلت... مات الأب كمداً... أهكذا يفعل بأبنائنا... ونحن نصنع المستحيل لتعليم ابنائهم! ... فإلى الله المشتكى وهو المرتجى... لن يذهب ثمرة فؤادك هدرا يا اباعبدالرحمن... شفعه الله فيك ووالدته وكان حجاباً لكما عن النار... وانا لله وإنا إليه راجعون.... وحسبنا الله ونعم الوكيل...
بقلم : أبوصالحة : حداد عمر القحوم