الحضارمة يتنازلون عن قيمهم  .. والآخرون يتمسكون بثقافاتهم !!

لأهمية الموضوع ، ولتفاعل الكثير من الناس معه ، ولاسيما وأبناء الوادي يتجرعون حوادث السلاح المؤسفة وإزهاق الأرواح البريئة يوما بعد يوم .. ارتأيت أن يكون ما تبقى على حلقتين ... وتكملةً للمقال السابق نتناول هذه المرة : إطلاق النار والمفرقعات ذات الأصوات المزعجة في الأفراح من قبل بعض الحضارمة ( المقلدين !! ) ولاسيما في الساعات المتأخرة من الليل للتعبير عن الفرح حتى جعلوها  ضمن عادات الزواج وتقاليده ، فعندما يختلط الحابل بالنابل ، ولا يعرف البعض قدر نفسه فلنتوقع غير المألوف وكثير هم الذين يقلدون ويطلقون النار بزواجهم تعبيراً عن الفرح حتى وأن لم يتماشَ هذا مع عاداته وتقاليده ، ولو انزعج منه الآخرين .

      إن إطلاق الناري في الزواجات بالذات أصبح أمراُ يتهاون فيه الكثير من الحضارمة ولاسيما الشباب المتهورين ، ولعل بعضهم يعتقدون أنهم سيجعلون أنفسهم في مكانة معينة !! وبعضهم إمعة شعاره - كما الخلق  ولاسيما الشباب المراهقين ، وسأحكي هاتين الحالتين للاستشهاد لا الحصر كوني أحد المتضررين منهما :

1-  أسرة تسكن بالجزء الشمالي لحي الحوطة بسيئون - وقريبة من بيتي - ورغم أنها ذات مكانة اجتماعية كبيرة ، ورجالها لهم بصمات خيرية ودينية طيبة بالحي إلاّ أنهم لم يستطيعوا الإمساك بزمام الأمور أثناء سهرة زواج أحد أبنائهم قبل عدة أشهر حين تم بإطلاق المفرقعات ذات الأصوات المزعجة بشكل مكثف في وقت متأخر من الليل وهذا بلا شك سبب ازعاج  لم يحتمله للناس النائمون في بيوتهم .           

2- وعندما يتهاون القائمون على الأسر ، عندها تضيع الأمور من بين ايديهم .. فهذه أيضاً أسرة لا تبعد جنوباً عن بيت الأسرة الأولى سوى عشرات الأمتار استوطنت هذه المدينة الهادئة هروباً من ويلات ( العنف الثوري ) في السبعينيات والذي طالها مباشرة وهي بمنطقتها ، ومثل هذه الأسر تحظى بمنزلة ومكانة مرموقة داخل المجتمع الحضرمي ، ووصل بشباب هذه الأسرة أن طعنوا في أعراف أهلهم - دون أن يردعهم أحد !! حيث عملوا ليلة زواج أحد أخيهم على إطلاق المفرقعات بشكل كثيف وقوي ومزعج أثناء السمر مع الرقصات الشعبية ( التقليدية !! )، وهذا ما اعتبره الحضور مخالفة تماماً لأعراف مثل هذه الأسر بالذات وطعنٌ فيها .

      وَحكى لي ايضاً من أعرفه أنه حضر قبل بضع سنوات زواج بعاصمة محافظتنا الحبيبة ، وكان عقد القران كالعادة بالمسجد - المسجد الواقع جانب كلية التربية - وبعد الانتهاء من العقد ، سرعان ما تم إطلاق الرصاص جانب أبواب المسجد مبارشرة بشكل كثيف حتى انزع الحضور وتغير مزاجهم الفرائحي ، بل انتقد هذا الأمر القاضي الذي عقد وصاح فيهم بكلام قوي وكأن لسان حاله يقول: إذا استمرت الأمور هكذا لا اعتقد أننا نعقد في المرات القادمة بالمساجد .    

      لاشك أن مثل هذه التصرفات عادة مستوردة وغير ( حضارية !! ) ، ومسيئة خاصة للذين يرفضون التخلف ويطالبون بدولة مدنية !! ، وأيضاً لا تتناسب مع ثقافة الغالبية العظمى من الحضارمة وأسلوب حياتهم المتحضر ولو استحسنها من تدحبش منهم !! ، بل لا يمكن أن تفاخر بها أمام الآخرين .      

      صحيح أن من عاصر سيجد أن بعض المكونات الاجتماعية بوادي بحضرموت ، تعتبر إطلاق النار  ضمن تقاليد أفراحها أب عن جد انطلاقاً من أن هذه المكونات لها ارتباط بالسلاح واستخداماته من خلال القيام بالواجبات والمهمّات داخل المجتمع آنذاك ، كما أن هناك أعرافاً تنظم عملية إطلاق الرصاص في الزواج  يعرفها أهلها ! { متى ُيطلق الرصاص ومن هم الذين يطلقون ؟ ، وكيفية الرد عليهم كترحيب و... } وكذا تعليمات العقلاء والشوم واللوم و... وأمور يعرفها أهل الشأن - وأهل مكة أدرى بشعابها -  ، وفي كل الأحوال لا يتم إطلاق الرصاص ليلاً ، إلا لحاجة تحكمها مصلحة الناس كالإنذار بقدوم السيل أو حصول كارثة لا سمح الله !! .

      ولكن من المؤسف أن نرى اليوم أبناء بعض هذه المكونات وهم يخرقون أعراف الأجداد وتقاليدهم ويرمون بها عبر الحائط ، ولاسيما والتعامل مع السلاح له طرقه وآدابه ، وما أكثر ما نسمع حوادث مؤلمة وتبعات مؤسفة - يعتصر والله لها القلب -  وبلا شك فهذه التصرفات  تعمل على تمزيق النسيج الاجتماعي الحضرمي ،  إذن ماذا نسمي من لم يحترم أعراف الأهل والأجداد وتقاليدهم ؟ !! .

      كما أنه من المؤسف حينما نرى من هم أبناء جلدتنا حين يتحدون الآداب والذوق العام حينما نراهم يطلقون النار في زواج الآخرين وأصحاب الزواج غير راضين ، بل منعوا ذلك كتابياً في دعوات زواجهم ؟  ماذا نسمي مثل هذا التصرف - من أي أعراف ولو كانت قبلية ؟! - .. لنسأل أخوتنا الحضارمة المقلدين ، لماذا تأخذون كل ما هو سيئ من الآخرين : ختاماً أحب أن أنوُّه لشيئين ربما يغفل عنهما البعض :

1- علمتنا الأيام أنه لا أحد يبقى قوياً ، ولا أحد يبقى ضعيفاً مدى الزمن .

2- من المخزي والمعيب  أن نطالب بطرد الآخرين من حضرموت أو الجنوب ونحن منغمسين في ثقافتهم !!    

      إلى اللقاء في الحلقة الثالثة والأخيرة بعنوان: إن ما يخافه الغيورون على حضرموت .. أن تطغى ثقافة السلاح على ثقافة القلم  !! .

بقلم الاستاذ : سعيد جمعان بن زيلع

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص