مشاورات الكويت.. رؤية إيرانية

خلال المرحلة الثانية من جولة المشاورات اليمنية، بدّت إيران متوجسّة وهو أمر نادراً ما يظهره الساسة الإيرانيين، ولا يكفون عن التحديق نحو صنعاء بينما أيديهم تقتل في العراق وسوريا، فما يحدث جنوبي المملكة السعودية مهم للغاية بشأن مستقبل الصراع في الشرق الأوسط. لم يكن هذا التوجّس أو "التيّه" إن صح التعبير إزاء ما يمكن أن تسفره تلك المشاورات ضد الرغبات الإيرانية، هم يخشون-تقديراً- انقلاباً من وفد الحوثيين في المشاورات يوصلّ لـذلك الحّل الذي بموجبه تأمن الرياض وتضعها كراعي لخلاف لا داعم لطرف فيه. تحدث دبلوماسي خليجي أن الحوثيين يوافقون على مقترحات للحل اليوم الأول وفي اليوم التالي يجري النقض فيه، وذلك -حد قوله- السبب في التضارب الحاصل من قبل الأمم المتحدة والدبلوماسيين الكويتيين بأن هناك توصل لحل، فيما يجري نقض ما تحدثوا به في تصريحات لاحقة؛ بذات طريقة كانت تحدث في مشاورات بييل السويسرية (ديسمبر الماضي) أكتشف بعدها أن أبومصطفي "ناصر أخضر" كان خارج قاعات المشاورات يرسل أحد أعضاء الوفد الإعلامي للجماعة بما يقومون بواجبهم، أخضر هو رجل مخابرات إيراني لبناني الأصل كان أحد أبرز المؤثرين في قرار الجماعة السياسي والإعلامي منذ 2011م حد علّم الكاتب وسبق أن ألتقى بصحافيين وناشطين لإرسالهم إلى طهران. على ضوء ذلك التوجس الذي يظهر أيضاً في تصريحات محمد عبدالسلام ففي يونيو الماضي تحدث لصحيفة الجريدة الكويتية، أنه لا مانع من اتفاق يبقي هادي لمرحلة قادمة، فيما استمر في المرحلة الثانية للمشاورات- يوليو- أكثر تأكيداً على ضرورة ألا يكون هادي في مرحلة مُقبلة! وكالة مهر الإيرانية في تحليل لها كتبه رامین حسین آبادیان يجيب على هذا التحول الحوثي المتسارع بشأن هادي، ولماذا تُصر إيران- كما يبدو وليس الحوثي- على خروج هادي من منصبه، بالقول: "بقاء هادي في منصبه هو العٌذر والمؤامرة الوحيدة الرثة لتبرير الحرب في اليمن و(الشرعية) هي العذر للإجابة على التساؤلات العديدة عن الهجمات السعودية منذ اليوم الأول للغزو" كما يقول الكاتب. لذلك فطهران تحتاج إزالة ما يصفونه بـ"العذّر" للنيل من الرياض لا من أجل إنهاء الحرب أو مصلحة الحوثيين. ولذلك وصفت إيران الخطة الأممية التي قدمها المبعوث الأممي نهاية المرحلة الأولى من المشاورات بـ"بصيص" الأمل الذي يمكن من خلاله أن تُنهي الحرب، وكانت متفاعلة بشكل غير مسبوق في الترويج لها بالإنجليزية والفارسية، فهي تضمن حكومة وحدة انتقالية بما فيه مناقشة عدم إبقاء هادي في الرئاسة. ومع بدء المرحلة الثانية كان أمير عبداللهيان المسؤول في الخارجية بعد إقالته من نائب مختص بشؤون الشرق الأوسط، يهاجم "الرياض" ويقول إنها تحاول "تمديد" المفاوضات، جاء بعدها إعلان مهلة أسبوعين اختفى السياسيين الإيرانيين من الحديث عن مشاورات الكويت، عدا تلك الأخبار المتداولة عن ما يجري، حتى أعلن تلفزيون الميادين عن الرؤية السعودية للحل، والتي هاجمتها الصحافة، و واصفتها بالمؤامرة التي تضمن خروجها من مأزق القيام بالحرب، عندما تحدثت عن توقيع الجزء الثاني في مكة المكرمة. بالنسبة لانسحاب الحوثيين من المُدن فقد ظهر موقف محمد عبدالسلام مؤخراً الرافض لتسليم السلاح أو الانسحاب، برؤية وكالة فارس في تحليل نشر (يوم 7 يوليو)، فإن المقصد من سحب السلاح: "يحاول آل سعود تنفيذ مخطط لنزع اسلحة الثوار اليمنيين وانصار الله واللجان الشعبية حتى لا تكون قادرة على المواجهة مع ما يسمى بالتحالف العربي وهم بمغفل عن ان الشباب اليمني تحول الى قوة قادرة على التصدي للغزاة والمعتدين وقادرة على الانتقام من جناة التحالف". أما الانسحاب فهو: " تراجع قوات أنصار الله من المحافظات التي تتمتع بموقع استراتيجي لكي تتحول في المستقبل الى قوة منفعلة غير قادرة على اداء دور مؤثر على الصعيدين السياسي والامني في ادارة البلاد وهذا يعني حرف مسار ثورة الشباب اليمني". وإن كانت تبريرات إيران غير منطقية ولا -ذات نسق لغوي مقنع- إلا أن الحوثيين يرددون ذلك بشكل مفرط في وسائل الإعلام. كانت إيران تعرف أن مصير المشاورات الفشل وإنما أرادت تحقيق "العالمية للحوثيين"، وإطالة أمد الحرب؛ سفير إيران السابق في السعودية احمد دستمالچیان وفي مقابلة مع وكالة أيلينا (19 يوليو) كشف عن ذلك متحدثاً عن المشاورات اليمنية التي حكم عليها بالفشل منذ البداية لأنها دخلت في أمور خاطئة من ضمنها اختلاف مبادئ المشاورات بين الطرفين وهي ما تمثل العمود الفقري للمحادثات(حسب قوله)، وهي نقطة مهمة كان التركيز عليها منذ البداية من وفد الحكومة والمحللين السياسيين- لكن الأمم المتحدة غامرت في دخول بمفاوضات بدون أسس؛ الأهم أن السفير تحدث أن "السعودية تخوض حرب استنزاف في اليمن، لمصلحة إيران، فمع الضغوط الغربية والأمريكية والضغط العسكري على الحدود سيتم إجبار الرياض على الجلوس مع إيران في طاولة حوار واحده، وإنهاء القطيعة، والوصول إلى حل لأزمات المنطقة"؛ وهو ما تحدث عنه قائد القوات البحرية في الجيش الايراني الادميرال حبيب الله سياري (24 يوليو) من أن بلاده قوة كبيرة في المنطقة و لن يكتب النجاح لأي مشروع أو حلّ في المنطقة دون الرجوع اليها. دستمالچیان أشار في مقابلته أن من فوائد ما يحدث في اليمن إلى جانب "استنزاف السعودية"، يتمثل في إضعاف الجيش السعودي، وأظهرت ولاء "أنصار الله" لمبادئ الثورة الخمينية برفض الضغوط السعودية بشأن تغيير موقفها في ملفات إقليمية حتى يتم وقف إطلاق النار. وهو ما أكده محمد صدقي كوشكي، عضو هيئة العلماء في طهران، بالقول إن: "الحركة مستوحاة من إتباع المثل العليا للثورة الإسلامية، وأفكار الإمام الخميني في التحرك والسياسيات، ومن خلال ردود الفعل والمواقف لهذه الحركة لاسيما على الصعيد الإقليمي يمكن القول إن أنصار الله مثل حزب الله وفية لمبادئ الثورة الإسلامية". في كتابه الجديد الصادر بالفارسية يحمل عنوان "حركة أنصار الله في اليمن، التأسيس والتعزيز 2004-2013م"، وتوقع الكتاب أن يكون للحركة دور بارز في المواجهات الإقليمية القادمة. يوم (25 يوليو) أجرت وكالة شفقنا التي تهتم بأخبار الشيعة في العالم مقابلة مع سفير إيران السابق في صنعاء علي أصغر قريشي، مشيراً إلى هدف آخر من أهداف إيران من أجل المشاورات وهو: " لم ترد المملكة العربية السعودية بشكل واضح الاعتراف بكون أنصار الله قوة في العالم. ولذلك فلن يكون هناك سلام ويمكننا ان نقول ان الحرب ستستمر". تطرق لهذا الأمر أيضاً جواد امددي الباحث الإيراني في تحليل نشره موقع الوقت التابع للحرس الثوري (يوم 18يوليو) والذي يناقش تحديات الحوثيين في بناء الدولة اليمنية، بالقول: " لا زالت حركة أنصار الله تواجه تحدياً آخر لا يقل أهمية عن التحديات الأخرى إن لم يكن أكبر، ويتمثل هذا التحدي بعدم اعتراف الكثير من الدول رسمياً بهذه الحركة خصوصاً أمريكا وحلفائها الغربيين، والسعودية وحلفائها الإقليميين لاسيّما من قبل دول مجلس التعاون ودول عربية أخرى بينها مصر. وهذا الأمر شكّل عقبة أساسية بوجه الحكومة التي تعتزم الحركة تشكيلها". يمكن تلخيص ما سبق في أن طهران تخشى أن تخرج مشاورات الكويت باتفاق يضمن بقاء "هادي" في السلطة وبذلك ستخسر معركة في مواجهة السعودية وستكون الخسارة كبيرة إذا ما جرى توقيع الاتفاق في السعودية، كما أنها تخشى أن يحدث اتفاق يحول الحوثيين إلى حزب سياسي وليس إلى حركة مسلحة بدعاوى "الزيدية" والخوف من البطش بحكم مظلومية "الأقلية" تحمل اسماً عقائدياً أو تتعلق بشخص، وبذلك لا يحدث لها اعتراف عالمي، وتبدي تذمرها من أي حديث عن انسحاب من المُدن وسحب السلاح خوفاً من انحسار السيطرة والتأثير فالمخططات القادمة تتمثل في مراكز فكرية لا تؤمنها إلا الانتشار المسلح، إلى جانب ألا تطول معركة الاستنزاف للرياض، وبذلك لن تقتنع السعودية بالجلوس على طاولة مفاوضات مع إيران؟ نختم بما ذكره موقع الوقت في تحليل نشر (26 يوليو) يتحدث عن دور فيلق قدس في تأسيس جماعات إيران في الشرق بالقول: "يعلم الجميع بأن فيلق القدس وقائده اللواء قاسم سليماني قد ساهموا بشكل فعّال ومنقطع النظير في تشكيل وتقوية قوى المقاومة في المنطقة لاسيّما الحشد الشعبي في العراق والقوات الشعبية في سوريا وقوات حركة أنصار الله في اليمن، والتي أصبحت تمثل اليوم الساعد القوي لجيوش هذه الدول في تحرير أراضيها من الجماعات الإرهابية". ومع ذلك فإيران تخشى ممن قامت بتشكيلهم بيديها طوال سنوات، من إنقلاب على أفكارها، وبكل الأحوال لا أمن قومي لشبه الجزيرة العربية بدون نزع سلاح الحوثيين وتحويلهم إلى قوة سياسية بعد حل تنظيماتهم المسلحة، ودولة قوية في اليمن. *يمن مونيتور

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص