الشيطان خطبة الجمعة ١٢ يناير ٢٠١٨ للاستاذ : سالم عبود خندور بمسجد عمر حيمد بسيئون للاستماع للخطبة النقر على الرابط : https://a.top4top.net/m_7441evtp0.mp3 الخطبة النصية : الشيطان ٢٥ ربيع ثاني ١٤٣٩هـ الموافق: ١٢ يناير ٢٠١٨م أيها الاخوة المؤمنون : حكايةُ الشيطانِ مع الإنسانِ حكايةٌ عجيبةٌ، والعداوةُ التي قدَّرَها الله بينهما عداوةٌ من طرازٍ فريدٍ! وأغرب ما في هذه العداوةِ أنَّ أحدَ طرفيها وهو الشيطان مستحضرٌ لها، عاملٌ بموجبِها، مُقْسمٌ على ذلك : (قال فبما أغويتني لأقعدنَّ لهم صراطك المستقيم). بينما الطرفُ الآخرُ في هذه العداوةِ – وهو الإنسانُ- كثيرُ الغفلةِ عنها، والنسيانِ لها، مما يُوقعُه في شباكِ عدوِّهِ: (ولقد أضلَّ منكم جِبِلاً كثيراً أفلم تكونوا تعقلون). لذا دعونا اليوم نتحدث ِعن هذه العداوةِ بين الإنسان والشيطانِ، لعلَّ ذلك أن يعيدنا إلى أجواء المعركة، وينبّهنا إلى أنَّ مجرَّدَ نسياننا لحربنا مع الشيطانِ لا يعني أنّ الحرب قد وقفت بل هي معركة أبدية، ولقد ورد ذكر الشيطان في القرآن في قرابة مئةِ موضعٍ ، ومن خلالِ هذه الآياتِ الكريمات، مع ما يعضِّدُ معناها من أحاديثَ يمكننا أن نستكشف علاقة الإنسان بالشيطان والتي تقوم على ثلاثة أركان سنتحدث عنها ان شاء الله .. أولها: طبيعة هذه العداوةِ. وثانيها: خططُ الشيطانِ في إضلالِ الإنسان وثالثها: خطط الدفاعِ البشريِّ ضِدَّ هذا العدوِّ . ولنبدأ بحديث القرآن عن طبيعة العداوة الأزلية بين الإنسان والشيطان.وأولُ مايلفتُ النظرَ هنا أن الشيطان ذكر في القرآن الكريم مقروناً بوصف (المبين) ثمان مراتٍ (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) فهل أدلُّ من ذلك على حرص القرآن أن ينبّه الإنسان إلى خطر عداوة الشيطان، وإلى أنها هي العداوة المبينةُ الحقيقيةُ التي يجبُ أن يحذر منها؟ وربما تساءل الإنسانُ: لماذا كانتْ عداوة الشيطانِ هي العداوةَ (المبينة)؟ والجوابُ يأتينا من كتاب الله أيضاً ، فقد ذكر الله للعداوةِ الشيطانيةِ سماتٍ عجيبة تجعلُها بحقّ أخطر العداوات.. وأول هذه السماتِ: أنها عداوةٌ نابعةٌ من الحسدِ والاحتقار والاستكبار، وأشدُّ العداوات ماكان كذلك، فعداوة إبليس لنا مردُّها إلى تفضيل الله لأبينا آدمَ بإسجادِ الملائكةِ له، فاستكبر إبليس وحسد وحقد .. وأبى (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ *). وثاني سماتِ العداوة الشيطانية أنّها عداوةٌ باقيةٌ أبد الدهر! وصاحبُها باقٍ لايزول حتى يرث الله الأرض ومن عليها! (قال فأنظرني إلى يوم يُبعثون، قال إنك من المنظرين إلى يوم الوقتِ المعلوم). إنه ليس عدواً مؤقتاً يمكنُ أن يغادرالحياة وينسحب يوما ما فتنعمَ بقيةَ عمرك بالسلامة! إنه باقٍ .. ترحلُ أنتَ ويبقى هو مع أبنائك وأحفادك! فأي عداوةٍ كهذه؟ أما السمةٌ ثالثةٌ يذكرُها القرآنُ لعداوة إبليس.. إنها سمةُ (التفرُّغِ)! نعم .. فالشيطانُ متقاعدٌ عن كل عملٍ له في الحياةِ إلا إضلالنا نحنُ معشر البشر فهو يصبحُ ويمسي على (خططِه) لإغواء بني آدم لا شأن له في الحياة غير ذلك (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ). أيها المؤمنون : دعونا ننظر في خطط الشيطانِ الابليسية في الإضلال. وأول هذه الخطط خطة التزيين. فهو يعمدُ إلى القبيح فيجمِّله، وإلى الباطل فيحسِّنه،. وهي خطة أقسم الشيطان عليها: (لأزينَّنَّ لهم في الأرض ولأغوينَّهم أجمعين). وغاية هذه الخطة الخبيثة أن يقع الإنسان في شرِّ الأعمالِ وأقبحها وهو يظنُّ أنه على الخير والصلاح والهدى (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) إنّها خطةٌ ماكرةٌ خبيثةٌ تجعل المرء يقعُ فيما يضرُّهُ دنيا وآخره وهو راضيُّ النفس مطمئنُّ البالِ .. يحسبُ أنه يتقرَّبُ إلى ربه. ولك أن تنظر في حال أصحاب البدع الشنيعة كيف توغَّلوا فيها ظانِّين أنها سبيلهم لمرضاة الله وإنما هي بوابتهم إلى سخطه جلَّ جلاله. وأحسبُ أن ما يمارسه الإعلامُ اليوم من تضليل للناس هو أحدُ أذرع إبليس في تنفيذ هذه الخطة الماكرة فيصور الباطل حقا والمنكر معروفا ، فيظهر لنا الغناء والعري والفجور على أنه فن نافع ومفيد ، ويصور لنا العلاقات المحرمة بين الرجال والنساء بما فيها من فحش وفجور على أنها حب عفيف وشريف.. كيف يمكنُ أن تجد مصلياً صائماً تالياً للذكرِ مستمعا إلى الخطباء والدعاة عشراتِ السنين ثم هو يصدِّقِ ترَّهاتٍ ضدّهم يقولها (متقولون) عبر الصحفِ والقنواتِ؟ وأنَّ الدعاة إلى الله هم الخطرُ الحقيقيُّ على الأمة والأوطان بينما أصحاب السُّكْر والعربدةِ والبطش والسرقة هم حماة الدين والوطن؟ كيف يبلغ الأمر بنا أن يتقبَّلَ بعضُنا هذه الافتراءات ويعتقد صوابها لولا فاعلية هذه الخطة الشيطانية .. يزين الشيطان للتاجر الذي يستغل حاجة الناس في الأزمات ان ذلك من قبيل الشطارة والفهلوة ، ويزين للموظف بأن أخذ الرشوة أمر جائز لاعالة أسرته بسبب الغلاء .. وهكذا أما خطة الشيطان الثانية هي خطة (الإنساء) .. أنْ يُنسِيَ الإنسانَ ما ينبغي عليه! تأمَّل إن شئتَ : (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) ففي كل هذه المواطنِ يعمدُ الشيطان إلى إلهاء الإنسان، ومزاحمةِ ذهنه ووقتهِ بالأعمال والأفكار حتى ينسى الواجبَ الشرعيَّ الذي عليه.. ولذلك على الإنسان إذا لاحظ أنه دائم النسيان لأوامر ربه، دائم الانشغال بغيرها عنها .. إذا لاحظ ذلك فليعلم أنه بات أسيرَ هذه الخطة الشيطانية. فيشغله بتجارته ووظيفته عن الصلاة ويشغله بأحاديث اللهو والغيبة والنميمة عن الذكر والدعاء ويشغله بقرناء السوء وجلساء السوء عن مجالسة أهله وتربية أولاده . أيها المؤمنون : أما الخطة الشيطانية الثالثة التي نبه إليها القرآن الكريم هي (إظهار النصح) حين يأتي الشيطان في صورة الناصح المشفق الحريص أتذكرون قصة آدم وحواء؟ ما الذي قال لهما الشيطان حين أغراهما بالأكل من الشجرة؟ (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين) لقد حلف لهما بالله أنه ناصحٌ أمينٌ ومن تأمَّلَ قصةَ العابد والأخت أدرك خبث هذه الخطة ومكرها! وخلاصتها أن عابداً من بني إسرائيل كان في وقته ثلاثة إخوة لهم أختٌ، فاضطروا للسفر، فرأوا أن يدعوها في صيانةِ هذا العابدِ الصالح، فوافق بعد مشقة، واتخذ لها صومعةً بعيدةً عن صومعته، فكان يضع طعامها عند باب صومعته ويغلق الباب ويناديها فتخرج وتأخذ طعامها. ثم ظهر له (الشيطان الناصح)، حتى أقنعه أن يحمل الطعام إلى باب صومعتها، فلبث زماناً. ثم عاد (الناصحُ) فقال له: لقد استوحشتْ وحشةً شديدةً فلو كلمتها من مكانك تؤنسها لئلا يصيبها سوء،.ففعل فلبثا على ذلك زمانا يتحدثان. ثم ظهر (الناصح)، وقال لو دخلت البيت معها فحدثتها كان أستر لها. ففعل فلما بلغ هذا المبلغ، أخذ الشيطان يزينها له حتى وقع عليها فأولدها غلاماً، ثم جاءه (الناصح) فقال: إن جاء الإخوة فرأوا الولد افتضح أمركما فاعمد إلى ابنها فاذبحه وادفنه، ففعل، ثم جاءه (الناصح) فقال: أتأمنُ أن تخبر إخوتها بما صنعت بابنِها ؟، فاذبحها وألحقها بغلامها ففعل، فلما رجعَ الإخوةُ زعم لهم أنها ماتت وهيأ لها صورة قبر دلهم عليه، فبكوا وترحموا. ثم جاء الشيطان إليهم في منامهم واحداً واحداً فخبرهم بما صنعَ العابد وخبرهم بمكان القبر الحقيقيّ فلما نبشوه عرفوا، وقُدِّم العابدُ ليُصلبَ، فلما صار على الخشبة قال له (الشيطان الناصح): قد علمت أني صاحبك الذي حملك على كل ما مضى، فإن أطعتني اليوم وكفرت بالله خلصتك مما أنت فيه! فلما كفر العابدُ خلى الشيطان بينه وبين أصحابه فقتلوه وهكذا أثمرت خطة (النصيحة الشيطانية) وتحوَّل الرجلُ من الانقطاع إلى العبادة إلى الكفر والعياذ بالله. وهذه القصة يذكرها المفسرون عند قوله تعالى : (كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين).. أقول قولي ... الخطبة الثانية : أيها الأخوة المؤمنون : لقد ذكرنا بعضا من خطط الشيطانِ في الإضلال. وبقي أن أشير سريعاً إلى خطط الدفاع التي ينبغي علينا أن نستخدمها. و من سبل الدفاع التي ذكرها القرآن : أولها : الاستعاذة : وهو سلاحٌ فعالٌ متى ما حضر فيه القلبُ مع نطق اللسان. والاستعاذة في حقيقتها التجاء إلى الله واحتماء به من مكر الشيطان وكيدِه، (والله خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين) وقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يكثر من الاستعاذة بربه من الشيطان بصيغ مختلفة وعلمنا صلى الله عليه وسلم أن نستعيذ عند قراءة القرآن، وعند دخول الخلاء، وعند الغضب، وعند الجماع، وعند سماع نهيق الحمار. وأمرنا أن نعوّذ أنفسنا وأبناءنا.. أما الخطة الثانية من خطط الدفاع المهمة: معاكسةُ قصد الشيطان. ومرجعنا في ذلك قول الحارث بن قيس: "إذا أتاك الشيطان وأنت تصلي فقال لك إنك ترائي فزدها طولاً". كما وردت فيه نصوص صحيحة صريحة: (قيلوا فإن الشياطين لاتقيل)، (ليأكل أحدكم بيمينه وليشرب بيمينه وليأخذ بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ويعطي بشماله ويأخذ بشماله) [رواه ابن ماجه] وحاصل هذه الخطة أنك كلما وجدتَ الشيطان يدعوك إلى طريق فبادِرْ بمعاكسته معاكسةً تامةً لتقطع عليه الطريق من أوله.. وثالث استراتيجيات الدفاع ضد الشيطان : التوبة والاستغفار. وهي محبطة لعمل الشيطان وكيده. فبينما هو فرحٌ بإيقاعك في المعصية إذا بك وتغيظه برجوعك إلى الرب الرحيم. ولاشيء أغيظ للشيطان من سرعة التوبة. ولذلك نراه يوم عرفة أحقر ما يكون وأحسر ما يكون لما يرى من تنزل المغفرة على عباد الله. وتأمل قوله تعالى: ( إن الذي اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون). وصلوا وسلموا ...
إضافة تعليق