للمعلِّمينَ فقط

كانت عندي بعض الأفكار ما فتئت تراودني كلما بدأ عام دراسي و كنت أحب أن اشرحها على طاولة مستديرة بها معلمون أكفاء يفهمون ما يقدمون عليه  كون حديثنا – نحن المعلمون – اليوم  إن عملنا اجتماعا يتركز في نقاط مملّة سئم حتى المدراء من الحديث فيها فأصبحنا  نمضغ ذلك الحديث و لكأنّما نتناول جيفة ميتة كالحديث عن الطابور و تأخر الطلاب و طردهم و الحث على التحضير و كلام من هذا القبيل لا معنى له و ليس لما نقول من معنى إذ الواقع تجاوزنا و لا زلنا بعقلية الماضي في زمن تغير و تغيرت فيه مفاهيم كثيرة و نحن لا زلنا نحلم بذاك المدير الذي يأتي من وراء النوافذ أو يختبئ وراء الأشجار ليراقب الطلاب و هذا شئٌ محال لا يمكن أن نجد طالب الأمس الذي إذا سلك  المدير أو المدرس طريقا سلك الطالب طريقا آخر حتى لا يلتقيان حياء و أدبا و هيبة ، إننا في زمن مختلف جدا لقد وقفت على طالب يحدِّثُ مدرسه قائلا ما هذه الوسامة و الشياكة اليوم يا أستاذ ؟ !! و لا يرى في قوله ذلك إلا تعبير عن احترامه و محبته لمدرسه ، كما كثر بين الطلاب الحديث بألفاظ كنا نعتبرها أشبه بالحرام  كان يقول طالب لآخر الأستاذ يحبك  و أشياء من هذا .. إني إنما احكي لكم مثل هذا القَصص حتى يعلم الآباء أن طالب الأمس غير موجود و كذلك مدرس و معلم الأمس غير موجود.

وعليه لابد أن نغير من أفكارنا و من طرحنا للموضوعات في اجتماعاتنا بما يتماشى مع التغيير المتسارع الذي يحدث للعالم و العرب  ، فمثلا لماذا لا يطرح احدنا اقتراحا بإلغاء  الطابور الصباحي في الثانويات مثلا !!! كما هو الحال في الجامعات  و ليس في هذا من حرج بل يعتبر من الأشياء التي تهيئ الطالب للجامعة إذ يفاجأ لما يذهب إلى  الجامعة  أن لا  طابور خاصة و إننا في ظل صراع فكري حول الطابور فبعض المدراء و المعلمين يرون أن السلام الوطني ضرب من الموسيقى و بالتالي يرى حرمته فلا يقوم به حق القيام و إن فعلوه لا يقفون له بل تراهم يتحركون و يضحكون بل و يمشون و السلام الوطني يشتغل و بالله عليكم إذا كان هذا حال المدير و المعلم فكيف هو الطالب مع السلام الوطني و هذا مثال بسيط فقط لأقرِّب لكم فكرة إلغاء الطابور كذلك  الموسيقى التي ترافق الطلاب لدخولهم   الصف لا يعمل بها في كثير من المدارس  و أحيانا البعض من الطلاب يقلون أدبهم على المعلم الذي يريد أن ينظمهم في صفوف الطابور الصباحي و كثير هي الهموم و المشكلات  .

إن الطابور الصباحي و فعالياته أو فقراته كانت لها هَيبة و فإذا بدأ السلام الوطني وقف الجميع و كأنما على رؤوسهم الطير لا نبس و لا نفس .                       

يطرح البعض من المعلمين  طرحا لماذا لا يسكت الطلاب  حالما كان القرآن يُتلا ؟  الجواب علموهم السكوت سيسكتون و عاقبوا المخالف سيلتزم الجميع و طالما أننا مختلفين فكريا فلا داعي للطابور من أساسه ، وهذا سيوفر على المدراء أكثر من نصف ساعة من الحديث عن الطابور في الاجتماعات و هكذا مشكلات أخرى كالمتأخرين عن الطابور، تجد مئات الدراجات النارية و أصحابها واقفين يوميا عند بوابة المدرسة  ليكون العقاب هو حرمانهم من الحصة الأولى فقط ثم يدخلون مشكلين عبئا على المدرس لأنهم لم يحضروا الحصة الأولى بل إن البعض منهم يدق الباب من غير حُسن أدب  و يرى إلزامية المدرس بإدخاله الصف طالما و قد انتهت الحصة الأولى ، كذلك خروج الطلاب ما بين الحصتين من الفصل تأخذ منا وقت في الحديث عنها و لم و لن تُحل إلى اليوم ، إذ كان المدير قديما يقف فقط في ساحة المدرسة تجد الطلاب يتطاردون على الفصول أما اليوم ربّما يبح صوت المدير أو المعلم  و لا أحد يتحرك من مكانه هذا إذا ما وجهوا لك لفظا يخر كالصاعقة عليك وربما رفع ضغطك أو أصابك بجلدة ،  لذا  لابد من وضع آلية جديدة للتعامل مع الطلاب فيها شئ من الضبط و الربط و هذا لصالحهم و لصالح المجتمع مستقبلا فطلاب اليوم هم رجال الغد و لا شك  لكن مفاهيم القرن الماضي احسب أن صلاحيتها انتهت بتقارب العالم و هذه الثورة المعلوماتية التي أتقنها الشباب و تفننوا فيها   .

حتى المناهج لابد من إعادة صياغة لها و دراسة كيفية أدائها ، لقد ظهرت  في سنين ماضيات أصوات تقول إن طرق التدريس لابد أن تتغير فطريقة التلقين و الحفظ لا تجديان نفعا للطلاب  و كان الرد عليهم بتجاهل طرحهم أما اليوم صار لزاما  علينا أن نبتدع طرقا جديدة للتدريس ، إن العمر الافتراضي لحصول الطالب اليمني على البكلاريوس هو 25 -28  سنة بينما تجد شابا من بلاد الشام مثلا في هذا السن قد حصل على الدكتوراه وهذا يعني أننا لا نتماشى مع العصر ، فيه في  العالم نظام تعليمي يسمى نظام الساعات لماذا لا يعمل به لماذا الطالب اليمني يضيِّع من عمره سنين تحت مسمى الإجازات الصيفية و العيدية و فوق العيدية ؟؟؟

إن الذي يحدث في المدارس من تدني للمستويات و السلوكيات و الهروب من الحصص الأخيرة و التأخر عن الحضور صباحا و عدم قدرة بعض الآباء على ضبط سلوكيات أبنائهم ، كل هذا و ما سبق يستدعي إيجاد أفكار جديدة و أطروحات مبتكرة تنتشل التعليم و التربية مما هما  فيه .

و على كل حال و طالما أننا نعيش بعقلية الماضي في المدارس أريد أن أشير إلى أن هناك خلط في  القيام بالأدوار التربوية و التعليمية ما بين الإدارات المدرسية و المعلمين فالجانب الإداري مرده للإدارة و عليها أن تحسن القيام به كأن  متى يُفصل الطالب متى يُطرد متى يأتي بولي أمره... تهيئة الصفوف للدراسة ، الكشوفات  البيانات ،  اتخاذ قرارات بشأن الغيابات المتكررة ، اتخاذ قرارات أشد صرامة على الطلاب الذين يقلون أدبهم على المعلمين المحولين من قبلهم للإدارة من غير رأفة و لا استكانة أو فلسفة  وووو ،،،،،،، أما الجانب التربوي و التعليمي هذا من اختصاصات المعلمين فالمعلم إن شتم طالبا أو طرده أو حتى ضربه فهو محق و على الحق و الصواب لأن تصرفه هذا إنما يريد من ورائه إصلاح ابنه الطالب -  و ضع تحت كلمة ابنه ألف مليون خط  - لأن المعلمين  فعلا يعاملون الطلاب كأبنائهم و أكثر ويريدون أن يروهم على خلق بل ويسعدهم ذلك ،  فإذا رأى المعلم  ما شانه منهم فكيف بالله عليكم تريدونه أن يتصرف ؟؟ الجواب يتصرف تصرف الأب الغاضب و تصرف الأخ الغاضب الحريص على أخيه .

 لكن اضرب لكم مثلا يبين لكم ما يحدث في المدارس لأدلل على تداخل الأدوار إذا ما حصلت مشكلة بين مدرس و ابنه الطالب يتدخل المدير مربيا للطالب و المعلم  و قد ينحاز للطالب ليبدي المعلم في أقبح صورة ، فكيف للطالب أن يحترم المعلم و هذا المدير رأيه فيه بهذا الشكل ، أيّ غباء نعيش فيه ؟ و أي تعليم نعلم و أي تربية نربي ؟ و هذه أحوالنا .

إن بعض الإدارات المدرسية تشرك الطلاب في العمل الإداري و بعضهم يطلب من الطلاب رفع تقرير سري عن بعض المعلمين المخالفين له او الذين لا يرتاح لهم بسبب أو من غير سبب  (( واسمحوا لي  إننا نرتكب اكبر الجرائم في حق المعلم عندما يُسمح للطالب أن يكون رقيبا على  المعلم أو أن يتصل عليه ليخبره أن عليه حصة أو يقدم حصته )). إن العشوائية في العمل أفرزت سلبيات المتضرر منها الطالب و يعاني من تبعاتها المعلم .

 إننا في زمن - و الخطاب هنا للمسئولين في المحافظة تربويين و سياسيين - أفرضته حركة التغيير في الثقافة و المفاهيم و الأخلاقيات أوجبت علنا أن نوفر رجل أمن على كل بوابة مدرسة يقوم بدور حفظ الأمن و السلوكيات و أحب هنا أن أُشير إلى مدرسة معاذ بن جبل بالغرفة فقد اهتدى الأهالي هناك إلى هذه الفكرة و طبقوها فكان لها الأثر البالغ على السير الطبيعي للعمل التربوي و التعليمي و نهاية إنني لا أقول هذا الكلام لأنني أجد معاناة من إخوتي و أبنائي الطلاب أبدا و أبدا – وما أبرئ نفسي - بل تربطني بسوادهم غالبيتهم العظمى روابط من الود و الاحترام  و  لكنني أحترق من داخلي على ماضٍ تولَّى ..

بقلم : أحمد علي بايمين

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص