الراضي كالفاعل

ها هي قرية من القرى انتشرت فيها الحروب التي كانت تقام بينهم لأتفه الأسباب، فنقص عدد أهل القرية ؛ ففكروا في كيفية زيادة عددهم ، فعقدواً اجتماعاً لهم، وكان قائدهم في ذلك الاجتماع إبليس نعوذ بالله منه ، فقرروا على أن يقع كل واحد منهم على محارمه ويزني بهم ؛ يقع على أخته و على بنته ليكثر العدد .

رجع أهل القرية من اجتماعهم فمنهم من رجع إلى أهله ونفذ ما اجتمعوا عليه ، ومنهم من رضي بذلك ولم يفعل ، والراضي كالفاعل ، فما كانت النتيجة ؟ انتشرت فيهم الفاحشة ولم يستنكر احد منهم هذا الظلم .

فأرسل الله عليهم النمل فتلدغ الواحد منهم فيموت ، فما كان من أحدهم إلاّ أن أراد أن يهرب ، فسرق الأموال والذهب والفضة ، ثم أخذه في وعاء معين ، ثم حفر له تحت صخرة وجعل لها علامة ، وهرب إلى مكة ، وبقي في مكة عشرين سنة أو أكثر من ذلك .

و بعد عشرين سنة أرسل واحداً من أهل مكة إلى تلك القرية ليأخذ الوعاء الذي فيه الكنز ، فذهب الرجل واستخرج ذلك الكنز وجاء به إليه في مكة ، وعندما أراد فتحه وإذا بنملة داخل الوعاء فتقفز إلى أنفه فتلدغه حتى مات: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ .

هذا درس في أن الظلم عاقبته وخيمة ، ويفضي إلى الندم ، وهو ظلمات بعضها فوق بعض ، وعاقبته تنال الظالم حتى بعد سنوات ، بل العقاب الأخروي في الدار الآخرة .

والأعجب من ذلك أن المقر للمنكر كفاعله و الراضي بالمنكر كفاعله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها ، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها ) . رواه أبو داود،وحسنه الألباني.

قال العظيم آبادي في (عون المعبود): أي في المشاركة في الإثم وإن بعدت المسافة بينهما. اهـ.

جاء في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ : ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ) .

فمن رأى منكرا ولم يستنكر أو يدين أو يشجب فكأنما وقع في المنكر ذاته . فليحذر احدنا من الظلم مهما كان نوعه ، والمنكر مهما كان شكله

ولقول ابن عبد البر في (التمهيد): من ضعف لزمه التغيير بقلبه ، فإن لم يغير بقلبه فقد رضي وتابع. اهـ.

وقال ابن رجب في (جامع العلوم والحكم): لأن الرضا بالخطايا من أقبح المحرمات، ويفوت به إنكار الخطيئة بالقلب، وهو فرض على كل مسلم، لا يسقط عن أحد في حال من الأحوال. اهـ.

الأجدر بك أخي أن تحذر من الرضا والسكوت عن المنكر والمعصية والظلم كأذية الآخرين أو أخذ حقوقهم وغيرها من المنكرات .

بل إن لعنة الظلم وعاقبته تنال الديار التي سكنوها فعندما ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تبوك ومر بديار ثمود ، فيدخلها وقد غطَّى وجهه وهو يبكي ، ويقول لجيشه: {لا تدخلوها إلاّ باكين أو مُتباكين لئلا يصيبكم ما أصابهم }.

سبحان الله !! هذه أرض سكنها الظَلَمَة ، فما بالك بمن يؤيد الظَلَمَة ، ويصفق للظَلَمَة ، ويركَن إلى الظَلَمَة، ويريد أن يحكمونا ؛ كيف يكون حاله ؟! ألا يخاف أن يغضب الله عليه ؛ فيأخذه أخذ عزيز مقتدر وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ [هود:113].

احذر أخي من دعوة المظلوم فإن ليس بينها وبين الله حاجبا ، فكم من دعوة مظلوم قصمت ظهر ظالم ، مهما طالت السنين { إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته }..

وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102].

لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً فالظلم آخره يفضي إلى الندم

تنام عينك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم

بقلم : الاعلامي محمد سعيد باوزير

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص