كنا خريجي الثانويةِ للعامِ الدراسي 80/81 نؤدي واجبَ الخدمةِ العسكريةِ. وكنت أحدَ مجندي لواءِ باصهيب في معسكر مُرَّةَ بشبوةَ. وفي عصرِ أحد الأيامِ خرجتُ مع رفيقي الخدمةِ علي محسن لقرز الدغاري ومبارك سالم حيدرة الخماري نتجولُ خارجَ حدودِ المعسكرِ، لنفاجأ ونحن محتبون في الصحراءِ بضابطين من الكتيبةِ قد أقبلا علينا وهما يتمتمان بكلماتٍ غاضبةٍ.. ثم يمليان الأمرَ الصارمَ علينا بالجري السريع نحو المعسكرِ الذي يبعدُ بما يزيدُ عن 2 كيلو.. لقد تأخرنا ولم نراعِ الوقتَ.. وكانت الساعةُ قَدِ اقتربت من ال6، بينما موعدُ توكةِ العشاءِ الخامسةُ. ولما فقدونا خرجَ الضابطان (مرتعة والشيخ سالم) في أثرِنا، ومعاقبتنا بالجري السريعِ أولا.. ثم أمر القائدُ (بدر) بتوزيعِ كلِّ واحدٍ منا على سريةٍ مختلفةٍ، حراسةً ليليةً كاملةً.. وكانت البوابةُ واستلامُ الإشارةِ والتبليغُ بالمستجداتِ عقوبتي. وطوالَ الليلِ كُلَّمَا رأيتُ سراجَ سيارةٍ من بعيدٍ أبلغتُ به السرايا والفصائلَ. ثم استلمت برقيةً مشفرةً من قيادة اللواء. وفككت شفرتها وفقا لما تعلمناه. وكان مضمونها "سوف تمر فوقكم في تمام الساعة... من يوم... طائرةٌ مدنيةٌ متجهة نحو..... عليكم عدم التعرض لها". تذكرتُ هذا وسماءُ شبوةَ منذ المغربِ وحتى الساعة يعجُ بهديرِ الطائراتِ الحربية. أين كنا؟ وكيف أصبحنا؟ وعَلاَمَ أمسينا؟. أصبحت سماؤنا بوابةً مفتوحةً وأرضنا مستباحةً. لم نعد دولةً ذاتَ سيادةٍ، ولا نملك جيشا منضبطا مؤهلا له الريادة، ولم يعد ضباطُه قيادةً ولا جُندُه قادةً. نم يا بن معيض.. وعانقِ الوسادةَ.. بلا هدرةٍ وفلسفةٍ زيادة!!.
إضافة تعليق